اعترضت مقاتلتان تركيتان من نوع إف-16، الأحد، فوق مياه بحر إيجه، مروحية تابعة للجيش اليوناني، تقل وزير الدفاع اليوناني نيكوس باناغيوتوبولوس، ورئيس هيئة أركانه الجنرال كونستانتينوس فلوروس، وأجبرتاها على الابتعاد عن الجزر التي كان المسؤولان اليونانيان أرادا زيارتها بهدف استفزاز تركيا وتوجيه رسالة إلى أنقرة.
وذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي آكصوي، في بيان، أن “المقاتلات التركية كانت تقوم بمهمات تشخيصية في إطار طلعاتها الاعتيادية في بحر إيجه”.
هذا الحادث قد يكون جزءا من التحرشات المتبادلة التي تشهدها المنطقة، بين الفينة والأخرى، بين القوات التركية واليونانية، سواء في مياه بحر أيجه أو سمائه، إلا أن ملف الجزر مرشح للطرح مرة أخرى على الطاولة في المستقبل القريب، بعد تسليمها إلى اليونان بمعاهدة باريس للسلام الموقعة في 10 شباط/ فبراير 1947.
هذا الحادث قد يكون جزءا من التحرشات المتبادلة التي تشهدها المنطقة، بين الفينة والأخرى، بين القوات التركية واليونانية، سواء في مياه بحر أيجه أو سمائه، إلا أن ملف الجزر مرشح للطرح مرة أخرى على الطاولة
جزر إيجه معظمها تقع بالقرب من السواحل التركية، وبعيدة عن اليونان جغرافيا. وكانت القوات الإيطالية احتلتها قبل الحرب العالمية الأولى، للضغط على الدولة العثمانية، كي تجبرها على سحب ضباطها من ليبيا. ونصت معاهدة أوشي الموقعة في تشرين الأول/ أكتوبر 1912، بين الدولة العثمانية وإيطاليا، على أن الأولى ستسحب قواتها من ليبيا، في مقابل تسليم إيطاليا جزر إيجه إلى الدولة العثمانية، إلا أن هذه الأخيرة لم تستطع أن تتسلم الجزر بسبب تفجر حرب البلقان آنذاك، والانشغال بها، وطلبت من القوات الإيطالية أن تبقى فيها لمدة حتى لا تحتلها القوات اليونانية.
الحكومة التركية برئاسة عصمت إينونو وجدت بعد الحرب العالمية الثانية فرصة ثمينة لاستعادة الجزر، أو بعضها على الأقل، إلا أنها امتنعت عن الحضور في مؤتمر باريس للسلام، بحجة أن “تركيا لم تشارك في الحرب العالمية الثانية، ولا يحق لها الأخذ من غنائمها”. وإن كان بعض المسؤولين في وزارة الخارجية التركية آنذاك حاولوا أن يستغلوا تلك الفرصة لصالح تركيا، إلا أن جهودهم اصطدمت برفض إينونو.
الناظر إلى مواقع تلك الجزر في الخارطة يعترف بأنها من حق تركيا، بسبب قربها الشديد من الأراضي التركية، لدرجة أنه لو صاح أحد في السواحل الغربية لتركيا لسمع صوته في بعض الجزر. إلا أن الدولة العثمانية في نهاية عهدها خسرت جزر إيجه، كما أن الجمهورية الفتية عجزت عن استغلال فرصة استعادتها. ومن المؤكد أن تركيا اليوم لن تضيِّع فرصة كتلك التي ضيَّعتها الحكومة التركية قبل أكثر من سبعين عاما بسبب عقلية إينونو المريضة.
معاهدة باريس للسلام سلمت جزر إيجه إلى اليونان بشرط عدم تسليحها، إلا أن أثينا لم تلتزم بهذا الشرط، وقامت بتسليح بعض تلك الجزر، في خرق واضح للمعاهدة والقانون الدولي. ولأن هذا التسليح يهدد أمن تركيا القومي، فمن حق أنقرة أن تفتح ملف جزر إيجه، وتنقله إلى المحافل الدولية.
معاهدة باريس للسلام سلمت جزر إيجه إلى اليونان بشرط عدم تسليحها، إلا أن أثينا لم تلتزم بهذا الشرط، وقامت بتسليح بعض تلك الجزر، في خرق واضح للمعاهدة والقانون الدولي
اليونان رفعت عام 1936 مساحة مياهها الإقليمية في بحر إيجه من 3 أميال إلى 6 أميال. وبعد عام 1982، حاولت رفعها إلى 12 ميلا، في محاولة لتحويل بحر إيجه إلى “بحيرة يونانية”، إلا أن تركيا رفضت ذلك رفضا قاطعا، وأعلن البرلمان التركي في 8 حزيران/ يونيو 1995 أن تركيا ستعتبر رفع اليونان مياهها الإقليمية إلى 12 ميلا “ذريعة حرب” (casus belli). وما زال ذاك القرار الذي نجح في لجم الطموحات اليونانية، ساري المفعول، لمنع أثينا من محاولة فرض أمر واقع في بحر إيجه من طرف واحد.
المناورات البحرية التي قام بها الجيش التركي في الآونة الأخيرة، رسالة واضحة إلى أثينا، مفادها أن حدود “الوطن الأزرق” ليست مجرد خطوط مرسومة على الخريطة، وأن استفزازات اليونان ومحاولة استقوائها بالاتحاد الأوروبي وبعض الأنظمة العربية، لن ترهب تركيا، ولن تدفعها إلى التنازل عن حقوقها المشروعة أو التفريط في أمنها القومي ومصالحها العليا.
تركيا عازمة على الدفاع عن حقوقها، وحماية مصالحها ومكتسباتها، سواء في البحر الأسود أو في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه، بعد رسم حدودها البحرية. كما أنها لا يمكن أن تسكت على خرق اليونان لمعاهدة باريس للسلام، وتسليح الجزر القريبة من أراضيها. وبالتالي، يجب على أثينا أن تستعد في الأيام القادمة لمناقشة وضع الجزر التي أخلت بشروط تسليمها إلى اليونان.
.
.