في ديسمبر 2016 كتبت مقالا بعنوان “موجة ثانية من الانقلاب تضرب تركيا” تحدثت فيه عن العمليات الإرهابية التي استهدفت تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، ولكن بيت القصيد من هذا المقال لم يكن تلك العمليات التي كان الأمن التركي يتصدى لها بكل شجاعة، وكانت الاستخبارات تبلي بلاء حسنا بوأد تلك العمليات في مهدها أو تبطلها قبل اندلاعها من خلال ضربات استباقية لأوكار الإرهابيين المدفوعين من الخارج، ولكن بيت القصيد كان تلك الحرب الاقتصادية الشرسة التي تمثل سرطانا وتغري الطامعين الذين يرون في الدولار وطنا، ولا يتورعون عن بيع وطنهم والعمل مع أعدائه من أجل الدولار.
وتحدثنا في حينها عن البدائل التي تعمل عليها الحكومة لوقف النزيف الاقتصادي من جراء الضربات الاقتصادية التي يتلقاها الاقتصاد التركي، وأكدنا أن منظمة شنجهاي ليست بدلا للشريك الغربي، بأي حال من الأحوال وأن الشراكة مع دولة المنظمة مسكن لكنها ليست علاج، فالحل سياسي أكثر منه اقتصادي، فهدف الضربات هو التخلص من النظام الحالي الطموح والذي يريد تركيا أكبر، تركيا شريك وليس تابع ونجاح الإدارة التركية في إبطال السحر كان يزيدهم حنقا، فيتخذون إجراءات أكثر شدة للتضييق على القيادة التركية من أجل إفشال الضربات المضادة لوكلائهم في سوريا وجبل قنديل، فتعلن كل من ألمانيا وفرنسا الحد من مبيعات الأسلحة إلى تركيا بسبب العملية السورية الموجهة ضد الميليشيات الإرهابية التركية والسورية الممولة من الغرب والتي تهدد حدودها، بعد أن سحب حلف “ناتو” منظومة باتريوت الدفاعية من تركيا، وتمنع أمريكا توريد بديل وتوقف تسليم الطائرات “F35” المتطورة.
في أكتوبر 2019 يصبح اللعب على المكشوف ويهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي إن تجاوزت أنقرة حدودها، هذا التهديد العلني سبقه حراك على الأرض منذ 2016 وقبل وصول ترامب إلى المكتب البيضاوي في واشنطن، كما بينا، ليستمر النزيف الاقتصادي الهادف إلى تأليب الرأي العام بشكل كبير والذي تزامن مع سحب استثمارات أوروبية كبيرة بما يعرف بالأموال الساخنة من سوق الأسهم والسندات، ولعبت هيئات مسيسة كموديز في تأكيد تلك الصورة رغم المكاسب التي كان يحققها سوق الأسهم والسندات على المستوى المستثمر المحلي، واستمرت الضربات وتأثرت الليرة التركية بفعل الضربات المستمرة والكساد الذي بدأ يضرب العالم والعقوبات التي فرضتها أمريكا على تركيا.
في ديسمبر 2019 استفاق العالم على وقع صرخات ضحايا فيروس مجهول يضرب بقوى وينتشر بسرعة، بدأ من الصين وانتشر في العالم انتشار النار في الهشيم، ليسكت الماكينات ويوقف البارجات، وتعطل الحراثات وتترنح دول بفعل حالة الموات الاقتصادي الذي ضرب العالم، فلا بيع ولا شراء على المستوى الدولي ولا حتى المحلي، وتتكدس البضائع مع إحجام المشترين، وتزيد معدلات التضخم مما يرهق المواطن العادي، حتى أصبح فيروس كورونا هو القاتل الاقتصادي الصامت لاقتصاديات العالم.
هنا جاءت الفرصة للانقضاض على تركيا مرة أخرى في موجة جديدة من الانقلابات التي لم تهدأ منذ أن أحبط الشعب التركي الأولى في الخامس عشر من تموز، وأحبطت الإدارة التركية الضربات الاقتصادية المتتالية بعدها والمستمرة حتى الآن، والتي كان آخرها ما أعلنت عنهاهيئة التنظيم والرقابة على المصارف في تركيا، حيث دأبت خلال الأيام الماضية ثلاثة بنوك وشركات أجنبية هي بنكا “بي إن بي باريبا” و”سيتي بنك”، وشركة “يو بي إس إيه جي” التلاعب في الأسواق المالية للتأثير على سعر صرف الليرة التركية، من خلال شراء العملات الصعبة من الأسواق التركية، دون أن يكون لديها سيولة كافية من الليرة، وتقاعست عن عمد في الوفاء بالتزاماتها بدفع المقابل بالليرة التركية، رغم تمديد البنك المركزي إغلاق النظام الإلكتروني للحوالات المالية.
هذه الهجمة المنظمة يتورط فيها مع الأسف دول إقليمية (إسلامية) تدفع من أموال شعوبها من أجل الكيد لدولة صديقة وحليفة وتجمعها وحدة المصير، من المفترض أن تكون سندا استراتيجيا في خضم تلاطم الأمواج الإقليمية، بعد أن توعد الحليف الأمريكي بتركها لمصيرها أمام التحديات التي تواجهها، فالعمل من أجل مكاسب آنية دون النظر للمصالح الكبرى هو عين العبث، لكن وللأسف تلك الدول لا تنظر لمصالح شعوبها طالما تحكمهم بالأهواء الشخصية والمزاج الانفعالي، من غير تخطيط استراتيجي لتحديد شركاء المرحلة وحلفاء المستقبل، لكن الغباء ملة واحدة .. وفيما يبدو أن الشعب التركي تحصن من الانقلابات، وعرف الأعداء الحقيقيين، فحلم أحدهم بدبابة جديدة ممولة بالدولار الأمريكي أو اليورو يركب عليها للوصول للحكم، أصبح من ضروب الخيال، لتبقى كلمة الرئيس أردوغان ثقة في الله ثم في شعبه والشعوب العربية والإسلامية الرافضة لتلك السياسات: (لهم دولارهم ولنا الله).
ياسر عبد العزيز
إعلامي وكاتب وباحث سياسي – الجزيرة
وحتى الدول الإسلامية الكبرى عرفت وفهمت أن تركيا لا تريد الخير لها ولشعوبها والاخوان المسلمين أهم عند الحكومة التركية لأن مصلحة تركيا معهم
مع سيادة الرئيس والشعب ةلتركي قلبا وقالبا