تواجه تركيا حربا إعلامية شعواء، يقودها عرب وغربيون معا، ويسير فيها التنظيم والتنسيق مع العشوائية والارتجال جنبًا إلى جنب، وتنفخ في نيرانها نخب، ويطير بشررها “ذباب إلكتروني”، ويتلقفها بسطاء مغيبون على حالها من دون تمحيص.
هي حرب تستهدف تشويه سمعة الجمهورية التركية في وجدان الشعوب، ماضيها وحاضرها، قيادتها وشعبها.
وتعمل هذه الحرب على وضع العصا في عجلة النهضة التركية الآخذة في الصعود، مبشرة بقوة عالمية جديدة تستعيد مجدها بعد فترات من السبات.
وتسعى تلك الحرب إلى الإضرار بتركيا، عبر ضرب اقتصادها، الذي هو عماد قوة أنقرة وسندها في ممارسة دورها الإقليمي والعالمي.
هذه الحملات ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب، وإنما تمتد لسنوات، بل وعقود، وبدأت منذ ظهور الدولة التركية الحديثة وبروز دورها الفاعل والمؤثر في صناعة الحدث وتطوره على الصعيدين الإقليمي والدولي.
انطلقت تلك الحملات حينما أرادت تركيا أن يكون لدورها أثر في تنمية وتطور مجتمعات وبلدان المنطقة ضمن جغرافيتها المتداخلة مع دول عربية وإسلامية تحتفظ بإرث تاريخي يمتد لقرون من حكم الدولة العثمانية (1299: 1923) المُختلف عليه راهنا، وهو ما لم يكن حتى وقت قريب.
طعن في التاريخ العثماني
رغم غيابها منذ أكثر من قرن، لم تسلم الدولة العثمانية من حملات إعلامية ممنهجة مبنية على تشويه حقائق التاريخ وتصويرها بأنها دولة احتلال توسعية، لإسقاطها من أعين العرب المرتبطين وجدانيا بماضيهم وتلاحمهم مع العثمانيين، وبالتالي فك ارتباطهم بتلك الدولة وامتدادها الممثل بتركيا الحديثة.
وضمن الإساءة للتاريخ العثماني، شنّت صحف ومواقع إلكترونية وقنوات تلفزيونية سعودية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بمشاركة إماراتية، حملة منظمة استهدفت القائد العثماني فخر الدين باشا (1868: 1948)، وأدعت أنه مارس الظلم ضد سكان المدينة المنورة، خلال سنوات الحرب العالمية الأولى (1914: 1918)، إضافة إلى إحياء ما يتعلق بمزاعم “مذابح الأرمن”، ليس بقصد الكشف عن الحقائق التاريخية بقدر التحريض وبث روح الكراهية والعداء ضد تركيا وشعبها.
حملات قائمة على التلفيق
ولمزيد من التشويه لتركيا، ولأهداف أخرى تتعلق باقتصادها، قادت وسائل إعلام سعودية حملة غير مسبوقة اعتمدت أخبارا كاذبة زعمت اختفاء أكثر من ألف سائح سعودي في تركيا، لزرع حالة من الخوف في نفوس السعوديين والحد من الإقبال على السياحة في تركيا.
ويفقتد هذا الاستهداف لأي حقائق قادرة على إقناع المتلقي، حيث يسود التضليل والكذب والافتراء، وأحيانا اختلاق أخبار لا أصل لها إلا في خيالاتهم، أو تلفيق حوادث، وفي أفضل الأحوال إخراج خبر ما من سياقه إلى ما يخدم توجهات وسياسات الجهات الداعمة أو الممولة لتك الحملات.
ولا خلاف على أن هذا العمل الممنهج المنظم لا يخلو من جهات أو دول تُنفق عليه أموالا طائلة، ضمن جهد مؤسساتي يضم منصات في مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر تأثيرا وارتيادا من الجمهور العربي المُستهدف بهذه الحملات.
كما يضم هذا العمل المنظم صحفا وقنواتا ومواقعا إلكترونية بلغات أخرى (غير العربية) تستهدف الجمهور الغربي عموما والرأي العام الأمريكي بشكل أكبر، وبينها منصات ومواقع وصحف تخاطب الرأي العام التركي بلغته الأم.
وانتدبت منصات إعلامية عربية نفسها للسير في ركاب الحملات الغربية الموجهة ضد تركيا في ما يُشبه تحالف “ضمني”، لإعطاء انطباع مغلوط عن حقيقة الموقف التركي من القضية الفلسطينية، عبر تقارير ومعلومات تبنّت الرواية الإسرائيلية لأحداث “أسطول الحرية”، الذي بدأ عام 2010، لكسر حصار إسرائيلي متواصل لقطاع غزة (أكثر من مليوني نسمة)، منذ صيف 2006.
وتصور هذه التقارير “أسطول الحرية” على أنه ليس أكثر من مزايدات سياسية لغايات دعائية، وتحدث البعض عن أهداف حزبية ضيقة لحزب “العدالة والتنمية” التركي الحاكم، بل وتم اعتبار الأمر أحيانا محاولات تركية لاسترداد الماضي العثماني.
ورقة الأكراد
يستغل القائمون على الحملات الإعلامية ملفات تركية داخلية، في محاولة للإضرار بالأمن القومي التركي، عبر الترويج وأحيانا الدعم متعدد الأشكال لمنظمات مصنفة على قائمة الإرهاب في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مثل منظمة “بي كا كا” الإرهابية.
ويقفز القائمون على هذه الحملات على حقائق استهداف هذه المنظمة الإرهابية للشعب التركي وقواته المسلحة، بإبرازها على أنها منظمة تطالب بإقرار حقوق مشروعة للأكراد الأتراك وأن الدولة التركية تكنّ لهم “العداء” وتستهدفهم كمواطنين أكراد بضربات جوية، متجاهلين أن أي منظمة دولية معنية بانتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحروب لم تثبت ذلك طيلة عقود من الحرب بين المنظمة والقوات التركية.
والأكراد هم جزء من مكونات الشعب التركي، ويتمتعون بكامل حقوقهم، وهم كبقية المواطنين من أعراق أخرى ممثلين في البرلمان، ويتولون مناصب وزارية وقيادية في القوات المسلحة التركية والمؤسسات الأمنية وكافة مؤسسات الدولة من دون تمييز.
“أسطول الحرية”
في محطة أخرى من محطات الاستهداف الممنهج لتركيا، يأتي الموقف التركي المتقدم المكلل بتضحيات دماء أتراك سقطوا شهداءً في مذبحة “أسطول الحرية” (سفينة مافي مرمرة)، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي أمام سواحل غزة، في 31 مايو/ أيار 2010.
هذا الموقف التركي أغاظ الكثير من الدول ذات الموقف المتراجع نسبيا، مما دفعها إلى شن حملات تشويه للأهداف السامية والنبيلة لحملة “أسطول الحرية”، التي لعب فيها الأتراك دورا بارزا.
موقف تركيا من مدينة القدس المحتلة والقضية الفلسطينية وضعها على قائمة استهداف اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بمؤازرة من جماعات ضغط في الكونغرس الأمريكي، مما أسفر في فترات متقاربة عن عقوبات اقتصادية أمريكية على أنقرة، وحملات إعلامية واسعة النطاق في صحف وقنوات أمريكية وغربية بلغات عدة، لثني تركيا عن سياساتها الداعمة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة بإجماع شعوب وغالبية دول العالم.
تركيا ضد الانقلابات
يرى آخرون أن موقف أنقرة من حركات الإسلام السياسي، ورفض انقلاب عبد الفتاح السيسي، في 3 يوليو/ تموز 2013، على الرئيس المصري المدني المنتخب، محمد مرسي، يمثل محطة أساسية من محطات الخلافات بين تركيا والدول الأخرى المعنية بقيادة ما تُعرف باسم “الثورات المضادة”، وهي الإمارات أولا، والسعودية ومصر وغيرهما ثانيا.
دعم قطر بمواجهة الحصار
شكلت الأزمة الخليجية، المستمرة منذ 5 يونيو/ حزيران 2017 بين قطر والرباعي العربي، السعودية والإمارات والبحرين ومصر، محطة أخرى من محطات تأجيج حدة الحملات الإعلامية ضد تركيا، لدعمها الواضح لقطر، بهدف حماية أمنها وتجاوز تداعيات الحصار، بتسهيل انسيابية تدفق السلع والمنتجات الأساسية في الأيام والأسابيع الأولى من الأزمة.
اغتيال خاشقجي
لكن ثمة من يرى أن ثبات الموقف التركي من جريمة اغتيال الكاتب الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية بإسطنبول، في 2 أكتوبر/ تشرين أول 2018، وإصرارها أنقرة على تحقيق العدالة، هو المحطة الأهم بين محطات الخلاف بين تركيا والسعودية ودول أخرى ضمن محورها.
هذا الخلاف زادت من حدته خلافات أخرى حول موقف أنقرة من الصراع في ليبيا بين الحكومة، المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا، وقوات الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، المدعوم مصريا وإماراتيا ومن السعودية بشكل ما.
الملف الليبي يشعل الموقف
يستدل مراقبون على وجود دول وجهات داعمة للحملات الدعائية المضادة لتركيا بتزامن هذه الحملات مع مواقف رسمية معلنة، مثل موقف الإمارات، نهاية أبريل/ نيسان الماضي، برفضها “القاطع” للدور العسكري التركي في ليبيا”، والرد التركي عليه بضرورة “إنهاء مواقفها العدائية ضد تركيا والتزام حدودها”.
ومع الانكسارات والهزائم المتتالية لقوات حفتر وخسارته الكثير من مناطق سيطرته في محيط العاصمة طرابلس (غرب) ومدن مهمة أخرى، صعّدت الجهات الممولة للحملات الإعلامية وتيرة هجماتها على تركيا، باعتبار أن الموقف التركي المساند للحكومة الليبية سبب أساسي في هزائم حفتر.
حجب مواقع ومقاطعة بضائع
بلغت الحملات الإعلامية المعادية لتركيا ذروة، في أبريل/ نيسان الماضي، على خلفية حجب السلطات السعودية مواقع إخبارية تركية، بعد أسابيع من اتهامات وجهها الإدعاء التركي لسعوديين ضالعين بجريمة اغتيال خاشقجي.
ربما يشعر القائمون على الحملات الإعلامية الداعية إلى مقاطعة المنتجات التركية بخيبة أمل فادحة، فما زالت البضائع التركية تحتل مكانة متقدمة في المنافسة مع بضائع دول أخرى في الأسواق المحلية لتلك الدول، ومنها السعودية، وما زالت تركيا الوجهة الأولى للسائحين السعوديين، والدولة الأكثر جاذبا وتشجيعا لاستثمارات أصحاب رؤوس الأموال.
مواجهة أنقرة للحملات المغرضة
من متابعة السياسات التركية بشأن ملفات المنطقة العربية وقضايا أخرى متعلقة بالعالم الإسلامي، يتأكد أن تركيا أثبتت يقينا صحة سياساتها وجديتها في إعادة بناء بيئة إقليمية متوازنة ومستقرة ومحفزة للاستثمار والتنمية لمصلحة شعوب ودول المنطقتين العربية والإسلامية.
وتفعل أنقرة ذلك من دون تراجع عن ثوابتها في الوقوف إلى جانب القضايا العادلة للشعوب في فلسطين وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان وماينمار وكشمير وغيرها، حتى لو كانت أحيانا على حساب المصالح التركية، كما في حالة الموقف التركي من قضية كشمير والعلاقات غير الجيدة مع الهند.
ورغم حملات التشويه المتواصلة لتركيا، تواصل الشعوب العربية عقد مقارنات بين بلدانهم، بثرواتها الطائلة غير المستثمرة في تنمية مجتمعاتهم وتطوير بلدانهم ورقيها، وتركيا ذات الثروات المحدودة، بتطورها واحتلالها مراتب عالمية متقدمة في ميادين التجارة والاقتصاد والقدرات العسكرية والصناعات والتطور العمراني وفي البنية التحتية لمختلف القطاعات الاقتصادية والمصرفية والخدمية.
.
بواسطة / إحسان الفقيه-A,A
أحسنت التوصيف والتحليل اخت إحسان
وهنا أقول للخونة المحسوبين على العرب
والعروبة منهم براء
نصيحة قالها الشاعر المحب للخير وللبشرية
احمد محرم
يا آل عثمان من تركٍ ومن عربِ
وأي شعب يساوي الترك والعربا
صونوا الهلال وزيدوا مجده علماً
لامجد من بعده ان ضاع أو ذهبا
أنا فلسطيني واعتز بكوني انتمي للوطن الفلسطيني واعتز كذلك بوجود دولة مثل تركيا العظيمة وهذا الشعب التركي الحبيب وأعرف تماما حرص تركيا وقيادتها المتمثلة بالرجل العظيم والقائد المحنك اردوغان هذا الذي يقود تركيا إلى أفضل مكانة عالمية على جميع الاصعدة و اعرف مدى التقارب بين الشعبين الفلسطيني والتركي وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية ومحوريتها لدى القيادة التركية . بالتوفيق لهذا البلد العظيم ….