من كل فج عميق بمدينة إسطنبول، يزحف العاشقون لعهد صحابة النبي محمد خاتم المرسلين، من الأتراك والجالية العربية بالمدينة، نحو مسجد “السلطان أيوب”، في كل ليلة من رمضان لأداء صلاتي العشاء والتراويح.
المسجد الذي يعد أول جامع بناه العثمانيون بإسطنبول بعد فتحها، يطلق عليه أيضا مسجد أبو أيوب الأنصاري، نظرا لوجود قبر الصحابي الجليل في باحة المسجد، حيث توفي ودفن هناك عام 52 للهجرة خلال محاولة المسلمين فتح القسطنطينية، وهي المحاولة التي لم تنجح آنذاك.
كما أنه سُمي بمسجد “السلطان أيوب” تيمنًا باسم ذات الصحابي أبو أيوب الأنصاري، الذي شهد بيعة العقبة، وغزوتي بدر وأُحد مع النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، والذي خصَّه الرسولُ الكريم بالنزول في بيته عندما قدم إلى المدينة المنورة مهاجرًا، حيث أقام عنده حتى بنى حجرة ومسجدًا وانتقل إليهما.
ومع دخول وقت العشاء يزدحم الجامع بالعرب والأتراك من إسطنبول وأيضا من خارجها، حيث يتحول إلى خلية نحل تعج بالأصوات العذبة التي تتلوا آيات القرآن الكريم، في جو روحاني فريد.
هذه الأجواء الروحانية ساهم في صناعتها تلك الميزة الفريدة التي يتمتع بها المسجد والمتمثلة في وجود قبر الصحابي أبو أيوب، حيث تبدو معالم الفرح والسعادة واضحة على وجوه المصلين، لاسيما عند أداء صلاة التراويح ومن قبلها الدعاء عند الإفطار، بجوار قبر “أبو أيوب”.
الفلسطيني محمد عرمان، الذي قدم إلى تركيا منذ ثلاثة أعوام، يحرص على حضور صلاة التراويح في كل ليلة من رمضان بمسجد أيوب، وفي بعض الأحيان يقوم باصطحاب عائلته معه.
وقال عرمان للأناضول، عقب التراويح، إن “المسجد له مكانة خاصة في قلوبنا، على خلاف غيره من مئات المساجد في إسطنبول، وربما بسبب وجود ضريح الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري هنا، أو لتاريخ المسجد الذي نعتز به”.
وأضاف عرمان: “اعتدت في كل عام أن أؤدي صلاة التراويح هنا، وفي بعض الأحيان أقدم إلى المسجد قبل رفع أذان المغرب، وأتناول الإفطار الجماعي الذي تنظمه بلدية إسطنبول (بالمسجد) في كل عام”.
أما المواطن السوري أيمن العسلي، فرأى أن “الصلاة في مسجد الصحابي أبو أيوب تذكرنا بروحانيات وأجواء الصلاة في مساجد الشام، حيث الأصوات الجميلة، وقلوب الناس الطيبة”.
“قدمت إلى تركيا قبل نحو 5 سنوات، وعمري الآن تجاوز الستين عاماً، وأفضل دائماً في كل رمضان مر علي بالمدينة إحياء صلاة التراويح هنا، وحتى صلاة الجمعة أؤديها هنا أيضاً”، هكذا أضاف للأناضول.
المواطن التركي محمد سمارت، والذي يقيم في ألمانيا منذ أكثر من 25 عاما، قال للأناضول: “في كل رمضان آتي إلى تركيا لإحياء صلاة التراويح فيها والشعائر الدينية المختلفة، لاسيما بمسجد الصحابي الجليل أبو أيوب”.
واعتبرسمارت أن “طفولتنا وشبابنا التي عشناها في مدينتنا إسطنبول، تشدنا إلى مسجد السلطان أيوب، حيث نجد فيها عبق التاريخ والتراث والبساطة والبركة”.
ولا يقتصر زوار المسجد على الأتراك والجالية العربية فقط، حيث يقصده طوال العام وخاصة في رمضان العديد من السياح، لا سيما المسلمون الذين يأتون لقراءة الفاتحة على روح الصحابي الجليل.
ويحظى مسجد “السلطان أيوب”، الذي بني عام 1458م، ويتسع لآلاف المصلين، بمكانة خاصة لدى الأتراك خلال رمضان، حيث يقصده الآلاف من إسطنبول والولايات التركية الأخرى يوميا لأداء العشاء والتراويح.
وجرت العادة أن تنظم بلدية إسطنبول إفطاراً جماعياً لآلاف الصائمين الذين يزورون مسجد “السلطان أيوب” بشكل يومي، وتصطحب العائلات أطفالها إليه.
ويقوم المصلون بالمسجد خلال صلاة التراويح، بالصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من كل ركعتين، فيما يقومون بقراءة أذكار جماعية بعد كل أربع ركعات، كقولهم “لا إله إله الله محمد رسول”، أو “عز الله وجل الله وما في قلبي إلا الله”.
ويكتظ المسجد وساحاته بالمصلين قبيل البدء بالتراويح، وتضاءُ الحبال بين المنارات، المكتوب عليها بالقناديل “أهلاً وسهلاً بسلطان الشهور”، وعبارة التوحيد “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وغيرها من العبارات، ويفترش المصلون سجادات الصلاة والتي عادةً ما يصطحبونها معهم.
ويقع المسجد على ساحل “خليج القرن الذهبي” المتفرع من مضيق البسفور خارج أسوار القسطنطينية، والذي يشكل ليلًا منظرًا خلاباً ومنطقة هادئة تجلب السعادة والراحة لزوارها.
وتقوم بلدية أيوب بمدينة إسطنبول طيلة أيام الشهر الفضيل، باستخدام ماء الورد بدلًا من الماء العادي لغسل وتنظيف الساحة الداخلية والخارجية للمسجد التاريخي، كما يتم طيلة أيام الشهر المبارك، تعطير المسجد من الداخل بالعطر الذي يفوح في الكعبة.
وبشكل عام تعتلي المئات من المآذن والمنارات في سماء إسطنبول، في منظر يشكل تحفةً فنيّة، لتقع عينُ زائر المدينة على القباب والمنارات التي تنتشر في أزقتها وحاراتها.
الاناضول