حملت الأسابيع القليلة الفائتة متغيراً مهماً في المنطقة؛ تمثل بزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى تركيا ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث استقبل بحفاوة، ووقع البلدان عدداً من الاتفاقات ومذكرات التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية في المقام الأول.
وتمثل الزيارة الذروة التي وصل إليها مسار التقارب بين تركيا وعدد من الدول التي وقفت معها على طرفي نقيض في القضايا الإقليمية المختلفة، بل شكلت محوراً مواجهاً لها، والحديث هنا عن السعودية والإمارات ومصر وبدرجة أقل البحرين.
فقد زار تركيا بشكل متزامن مع محمد بن زايد؛ كل من وزير خارجية البحرين ووزير التجارة السعودي، كما عُقدت سابقاً عدة لقاءات بين القاهرة وأنقرة بهدف تحسين العلاقات. ثم توج الرئيس التركي كل ذلك بالتأكيد على أن “الخطوات القوية” التي قامت بها بلاده مع أبو ظبي سيكون مثلُها قريباً مع كل من القاهرة وتل أبيب.
السؤال المطروح من الكثيرين اليوم هو ما إذا كان سيتغير شيء في السياسات الإقليمية لهذه الدول، وبالتالي انعكاسات ذلك على ملفات المنطقة
وبالنظر إلى شدّة الاستقطاب الذي صبغ علاقات الجانبين على مدى السنوات الثماني الماضية، لا سيما أنقرة وأبو ظبي على وجه التحديد، بما في ذلك دعم كل منهما أطرافاً مختلفة في عدد من الدول والنزاعات، فإن السؤال المطروح من الكثيرين اليوم هو ما إذا كان سيتغير شيء في السياسات الإقليمية لهذه الدول، وبالتالي انعكاسات ذلك على ملفات المنطقة.
من ناحية نظرية ومبدئية، لا بد وأن يحصل تغيير ما بعد كل الخطوات التي أقدم عليها الجانبان، وإن كانت ثمة ضرورة لعدم المبالغة في تقييمه، لكن تغييرات بدرجة أو بأخرى تبدو منطقية ومتوقعة. بل إن إن بعض المؤشرات الأولية بدأت بالظهور، مثل إطلاق السلطات الإماراتية سراح رجل أعمال تركي معتقل لديها منذ 2018 بعد زيارة محمد بن زايد، وقبلها إطلاق تركيا سراح شخص متهم بالتجسس لصالح الإمارات مع استمرار محاكمته أمام القضاء التركي.
بيد أن تغييرات جذرية تتعلق بالتوجهات الرئيسة للسياسات الخارجية غير مرجّحة. فبالنسبة لتركيا باتت قضايا مثل سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط في صلب رؤيتها لسياستها الخارجية ومفاتيحَ أمنها القومي. ولذلك فليس من المتوقع أن تقدم أنقرة على أي تغييرات ملموسة على سياساتها هناك، كما أنها – وباقي الدول – لن تغير من مواقفها ورؤيتها للمنطقة وقضاياها بمجرد التقارب أو تهدئة التوتر مع بعضها البعض.
تغييرات جذرية تتعلق بالتوجهات الرئيسة للسياسات الخارجية غير مرجّحة. فبالنسبة لتركيا باتت قضايا مثل سوريا والعراق وليبيا وشرق المتوسط في صلب رؤيتها لسياستها الخارجية ومفاتيحَ أمنها القومي. ولذلك فليس من المتوقع أن تقدم أنقرة على أي تغييرات ملموسة على سياساتها هناك
لكن ذلك، من جهة ثانية، لا يعني أنه لن يحصل تغيير بالمطلق على السياسة الخارجية التركية وتعاملها مع هذه الدول، ومما نرجّحه متغيرات ثلاثة:
الأول، لغة الخطاب، حيث من المتوقع أن تتراجع حدّة التراشقات والمناكفات الإعلامية بين الجانبين، وهو ما بدأ فعلاً في الآونة الأخيرة ويتوقع له أن يتعزز أكثر.
الثاني، ما يتعلق بالعلاقات الثنائية المباشرة بين الجانبين، ولا سيما مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، وقد بدأت فعلاً هذه الخطوات مؤخراً وعززتها زيارة محمد بن زايد والإعلان عن استثمار 10 مليارات دولار في تركيا كمرحلة أولى. ومما يرجح هذا المسار أكثر عدمُ وجود مشاكل رئيسة وجوهرية في طريق العلاقات الثنائية المباشرة بين الطرفين.
وأما الثالث فيرتبط بالمعارضات العربية المقيمة على الأراضي التركية، والتي تقع في قلب حالة الاستقطاب بين تركيا والمحور المذكور. ولذا فمن المنطقي توقع ارتدادات للمسار الجديد عليها بدرجة او بأخرى، خصوصاً وأن هناك مثالاً قائماً للأمر وهو “تأطير” تركيا عمل الإعلام المصري المعارض العامل على أراضيها بين يدي “بدء” الحوار مع القاهرة.
مسار التقارب اليوم مطلوب ومرغوب من طرفي المعادلة – تركيا والمحور الآخر – ما يعني أن هناك ما سيقدمه كل طرف للآخر لإنجاحه. وإن كنا هنا ركزنا على المتغيرات في الجانب التركي، فسيكون هناك منطقياً أمثالها أو غيرها في الطرف الآخر
في المحصلة، فمسار التقارب اليوم مطلوب ومرغوب من طرفي المعادلة – تركيا والمحور الآخر – ما يعني أن هناك ما سيقدمه كل طرف للآخر لإنجاحه. وإن كنا هنا ركزنا على المتغيرات في الجانب التركي، فسيكون هناك منطقياً أمثالها أو غيرها في الطرف الآخر.
لكن ذلك لا يعني أن نجاح المسار ووصوله لنهاية الشوط أمر مضمون أو أكيد، إذ ما زال في البدايات التي ستخضع لكثير من اختبارات حسن النوايا وصدق الإرادة، فضلاً عن احتمال حصول متغيرات في البيئة الدولية والإقليمية تقلل من رغبة الأطراف أو بعضها في إكمال الطريق.
بواسطة/ سعيد الحاج