تركيا وتعزيز الانخراط في إفريقيا.. ناميبيا نموذجًا

يتساءل مراقبون كُثر عن سبب استثمار تركيا في إفريقيا، وحجم الاهتمام الذي توليه مؤخرًا في جنوب الصحراء الكبرى، وقد عزّز هذا التساؤل اعتبار أنقرة “2005 هو عام إفريقيا”.

بداية القرن الحالي شهد محدودية حجم التبادل بين البلدان الإفريقية وتركيا، التي كانت تصب اهتمامها التقليدي على الاتحاد الأوروبي، لكن تاريخًا طويلًا يسبق تأسيس تركيا الحديثة ربط أنقرة بدول إفريقيا.

كما شهد شمال إفريقيا وشرقها معارك بين البحريتين العثمانية والبرتغالية، وأظهرت إمبراطورية العثمانيين دعمًا دفاعيًا لمجتمعات شرق القارة السوداء ضد القوات الاستعمارية؛ لهذا السبب يمكن اعتبار تركيا بلدًا “أفرو-أوراسيا”.

** المساعدات التركية في ناميبيا

39 ممثلًا دبلوماسيًا ووكالات حكومية أخرى، توزّعهم تركيا في الجنوب الإفريقي، إلى جانب مؤسسات فاعلة في تعزيز العلاقات التركية الإفريقية؛ مثل “مؤسسة المعارف”، “معهد يونس إمره”، “رئاسة الشؤون الدينية (ديانت)”، و”الخطوط الجوية التركية”، لكن أبرزها مؤسسة “تيكا”.

وكالة التعاون والتنسيق التركية المعروفة بـ”تيكا” تعمل في 17 بلدًا إفريقيًا؛ يُتوقع أن تشهد مزيدًا من النمو الاقتصادي والثقافي.

وضمن أبحاثي المتعلقة زرت مؤخرًا دولة ناميبيا للبحث عن أنماط المساعدة التركية في أفريقيا وأمريكيا اللاتينية اللتين تشكلان نوافذ جديدة لتركيا.

الاهتمام التركي في ناميبيا بدأ مع افتتاح سفارة أنقرة في البلاد سنة 2012، وازداد أكثر بعد إنشاء مكتب مؤسسة “تيكا” في 2014.

لم تكن تركيا معروفة إلى حد كبير في بلد يبلغ عدد سكانه مليوني نسمة، لكن جهودها توسّعت عبر المساعدات الإنمائية والانخراط الثقافي.

ونجحت ناميبيا بأن تكون مثالًا بارزًا للتعاون مع السفارة التركية ومؤسسة “تيكا”، فشهدت أكثر من 50 مشروعًا، بعضها أُنجر والآخر قيد النظر.

ومشاريع “تيكا” في ناميبيا تمثل مجموعة من المساعدة الإنمائية؛ بدءًا من إنشاء قاعات حاسوب، وتحقيق التواصل بين طلاب الجامعات الناميبية، وصولًا إلى حرصها على حماية الحياة البرية في هذا البلد الإفريقي من مخاوف بيئية متنامية.

كذلك، تعمل “تيكا” على مشاريع مستقبلية لإنشاء ملاعب آمنة وأماكن تعليمية للطلاب المحرومين من التعليم، لتعزيز تجربة التعليم المطوِّر للشباب الناميبيين الذين يمثلون غالبية السكان.

** أهداف التواجد التركي

يتمثل الهدف الرئيسي لـ”تيكا” في ناميبيا بتوفير المساعدة وظروف معيشية للفقراء الناميبيين المحرومين؛ مما يحقق علاقات أفضل بين البلدين.

ومع ذلك، فإن هيكل المساعدات التركية في ناميبيا لا يقتصر على المعونة فحسب، وإنما يتصل بجوانب وأهداف عدّة كما يراها مراقبون.

فأولًا؛ ترغب تركيا في تقديم صورة إيجابية لها بين سكان ناميبيا وسد الفجوة المعلوماتية لديهم، بعد أن كانت غير معروفة بالنسبة للناميبيين في فترة ما قبل افتتاح السفارة.

ثم إن التجارة التركية الإفريقية شهدت نموًا هائلًا منذ إعلان أنقرة سنة 2015 “عام أفريقيا”، إلى جانب توسيع تركيا وجهات الخطوط الجوية التركية عبر إفريقيا؛ لذا فإن الهدف الثاني يتمثل في إقامة التجارة وتعزيزها.

ونتيجة لجهود السفارة التركية في العاصمة ويندهوك (وسط) ومكتب “تيكا”، وقعت الخطوط التركية اتفاقًا لـ”مشاركة الرمز” مع طيران ناميبيا في وقت سابق من العام الجاري.

أما الهدف الثالث، يتمثل في زيادة التجارة والسياحة في ناميبيا عبر توسيع التعاون والشراكة مع الخطوط الجوية التركية.

وكهدف رابع، تسعى تركيا، إلى إظهار قدرتها الإنمائية والتعاونية أمام البلدان الأخرى التي لديها وكالات معونة أكثر استقرارا؛ مثل ألمانيا والسويد والولايات المتحدة والصين.

وإضافة إلى الأهداف السابقة، فإن الوجود الرسمي لتركيا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعد قيمة لا تقدر بثمن في معركة أنقرة ضد منظمة “فتح الله غولن”، التي لديها خلايا وشبكات راسخة في المنطقة.

وستكون مشاركة تركيا الرسمية مع ناميبيا، حجر الزاوية في الجهود الرامية إلى صد الدعاية والشبكات الخاصة بغولن.

** علاقات طويلة الأمد

تعتبر الاستراتيجية والأهداف المدروسة في التعامل التركي مع البلدان الإفريقية، أمرا أساسيا في ترسيخ نمط تركي فريد على صعيد المساعدات الخارجية.

وفي هذا الصدد، بدأت عدة مشاريع في ناميبيا، مثل مشاريع الحفاظ على الحياة البرية، والمبادرات التي تسعى جاهدة من أجل تمكين المرأة.

وتصل هذه المشاريع إلى جمهور خارج ناميبيا عن طريق منظمات أخرى تشارك في خطط إنمائية مماثلة، لتُحدث تغيرات في حياة المستفيدين منها.

وكذلك، فإن إقامة مشاريع تعزيز القدرات في مجال تكنولوجيا الاتصالات، مثل المعدات والتدريب والدعم في البث الإذاعي والتلفزيوني، لديها القدرة على إقامة علاقات طويلة الأجل.

وختاما، ينبغي ألّا تهمل تركيا إفريقيا، وأن توسع تدريجيًا وجودها الدبلوماسي؛ لا سيما في جنوب الصحراء الكبرى، غير أنه من المهم مواءمة الأهداف والتطلعات الإقليمية مع إدراك معوّقات التنفيذ على الأرض.

ويتحتم على تركيا أيضًا، إنشاء وكالات داعمة مثل “تيكا”، ووضع استراتيجية إقليمية وداخلية طويلة الأجل.

** الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي كاتبها ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لوكالة الأناضول.

المصدر: وكالة الأناضول

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.