مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية أسبوعها الرابع، تغيرت التوازانات في العلاقات بين تركيا وأمريكا بعد سنوات من التوتر.
ووفق مراقبين فإن الأسباب التي جعلت التوتر سيد الموقف بين البلدين هو اقتناء أنقرة لمنظومة “أس400” وإخراجها من برنامج “أف35″، والدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية شمال شرق سوريا.
وأوضح المراقبين أن دور تركيا وموقفها من الحرب وفضها للغزو الروسي وإغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل وفقا لاتفاقية “مونترو”، وجهودها للتوصل إلى حل دبلوماسي بين موسكو وكييف، جعلها تحظى بتقدير من واشطن.
وتوقعت مصادر دبلوماسية تركية -وفق بي بي سي التركية- عقد اجتماع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الأمريكي جو بايدن خلال قمة حلف الشمال الأطلسي الأسبوع المقبل في بلجيكا.
ومن المنتظر أن يناقش الرئيسان تأثير الحوار والتقارب بين البلدين بيع واشنطن لطائرات “أف16″، وقضية “أس400”.
وقالت المصادر إن أمريكا أجرت تقييمات حول دور تركيا في الحرب الأوكرانية الوسية وخلصت إلى أربعة عناصر رئيسة:
الأول: ترفض تركيا بشدة العمل العسكري ضد أوكرانيا، وتقف إلى جانب المجتمع الدولي في إدانة الحرب بالجمعية العامة للأمم المتحدة.
الثاني: دعم تركيا لأوكرانيا سياسيا والتأكيد على وحدة أراضي البلاد بما في ذلك شبه جزيرة القرم، فضلا عن الدعم العسكري لكييف عبر الطائرات المسيرة “بيرقدار تي بي2″، وبحسب إعلام غربي فإن هذا الدعم تواصل حتى ما بعد 24 شباط/ فبراير الماضي ولم تنكره أنقرة.
الثالث: تركيا أغلقت مضيقي البوسفور والدردنيل بموجب اتفاقية “مونترو”، ولاقت هذه الخطوة التي حالت دون وصول السفن الروسية إلى البحر الأسود ترحيبا من الولايات المتحدة والناتو وأوكرانيا.
الرابع: هو الدور التركي في مساعي التوصل إلى حل دبلوماسي بين موسكو وكييف اللتين تربطها بهما علاقة خاصة.
اقرأ أيضا/ لماذا يتهافت الروس إلى فتح حسابات مصرفية في تركيا؟
ومنذ اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا أدانت تركيا بشكل واضح العملية العسكرية واعتبرتها حالة حرب، ورغم ذلك فإن موقفها لم ينسجم مع الموقف الأمريكي والغربي من العملية.
ووفق مراقبين فإنها لم تفرض عقوبات على روسيا كما فعلت أمريكا والاتحاد الأوروبي وأكدت أنها لن “تتخلى عن روسيا وأوكرانيا” وأنها ستسعى للوساطة للوصول لحل سلمي، وقامت بالفعل باستضافة جلسات حوار بين الطرفين.
وأوضحوا أن روسيا وأوكرانيا من خلال تصريحاتهما يبديان قبولا للموقف التركي المتوازن،
وفي هذا السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال في مقال له إن هناك عوامل عديدة أثرت على الموقف التركي غير المنسجم تماما مع واشنطن والناتو.
العامل الأول هو تشابك العلاقات التركية الروسية خلال السنوات الماضية، فقد عقدت أنقرة وموسكو عدة اتفاقيات لإدارة الوضع في شمال سوريا، ومن الواضح أن الهدوء النسبي في إدلب وشمال غرب سوريا عموما هو نتيجة لهذه الاتفاقيات، ولا يمكن لتركيا أن تضحي بحالة الهدوء في الأراضي السورية على حدودها من خلال إغضاب روسيا.
العامل الثاني هو الاقتصاد، فتركيا تعيش حالة من ارتفاع التضخم وعدم استقرار سعر الليرة. بلغ التبادل التجاري بين البلدين حوالي 20 مليار دولار عام 2020، فيما يطمح الطرفان للوصول به إلى 100 مليار دولار سنويا.
اقرا أيضا/ دولة أوروبية تخشى من غزو روسي وتطلب المساعدة من تركيا
كما أن حوالي 6 ملايين سائح روسي يزورون تركيا سنويا، بما يعنيه ذلك من دخل كبير للميزانية التركية، مشيرا إلى أنه لا يمكن لتركيا أن تتنازل عن هذه العلاقة الاقتصادية، خصوصا أنها اختبرت التأثير الهائل على الاقتصاد التركي جراء توتر العلاقات بين البلدين في أعقاب إسقاط الطائرة الروسية من قبل طائرة تركية عام 2015.
أما العامل الثالث -وفق أبو هلال- فهو العلاقة الملتبسة بين تركيا من جهة والناتو وواشنطن والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، فلم تقف واشنطن وحلفاؤها في الناتو وأوروبا موقفا جديا مع تركيا أثناء خلافها الشديد مع روسيا عام 2015،.
وأضاف أنه عندما اضطرت لشراء منظومة الدفاع الروسية “إس 400” تعرضت للعقوبات الأمريكية، وفي نفس الوقت تشهد العلاقات التركية مع أوروبا توترا وارتباكا مستمرا منذ سنوات.
وختم الكاتب أنه هذه العوامل دفعت صانع القرار التركي لعدم التخلي عن علاقاتها مع روسيا في وقت لم تتمكن فيه من الحصول على مزايا وعلاقات خاصة مع الغرب، وبانتظار نظام دولي محتمل متعدد الأقطاب.
وفي الآونة الأخيرة، زادت الزيارات من المسؤولين الأوروبيين إلى تركيا، كان آخرها زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس، هي الأولى من نوعها منذ تسلمه مهامه في ديسمبر الماضي، وقبلها رئيس الوزراء اليوناني الذي أكد أن الخلافات مع تركيا في طريقها للحل.
ووفق مراقبين فإن هذه الزيارات المتعاقبة تأتي متزامنة مع الجهد الدبلوماسي الذي تجريه تركيا تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية.
وفي هذا السياق يقول الكاتب التركي برهان الدين دوران، في تقرير نشرته صحيفة “صباح”، إن سبب هذه الزيارات هو السياسة التي اتبعتها تركيا في الأشهر الأخيرة وهي صفر مشاكل وبدأتها مع الإمارات و إسرائيل واليونان.
واشار دوران إلى أن عزل روسيا من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي قاسية لدرجة أن الهزات الارتدادية في الزلزال الذي أحدثته القوة العظمى تثير قلق عواصم العالم.
وأوضح أنه حتى إذا نجح بوتين أو التحالف الغربي فإن النظام الدولي سيكون مليئا بالتوترات الجديدة، إضافة أن دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط والقوقاز بالإضافة إلى أوروبا الشرقية ودول البلطيق ستشعر بمزيد من الضغط من روسيا.
المصدر: تركيا الان