ما الذي كسبته تركيا بإهداء مسيّرة إلى ليتوانيا؟

أطلقت ليتوانيا حملة شعبية لجمع التبرعات من أجل شراء مسيرة “بيرقدار” المسلحة من تركيا وإهدائها إلى أوكرانيا، وتم جمع المبلغ المطلوب خلال أيام، إلا أن شركة “بيكار” التركية المصنعة لتلك المسيرات أعلنت أنها تهدي واحدة منها إلى ليتوانيا، وطلبت من الأخيرة إرسال المبلغ المجمع إلى أوكرانيا كمساعدات إنسانية.

هذه الخطوة من شركة “بيكار” كانت ضربة معلم من عدة نواحٍ، أولاها الترويج والدعاية لمسيرات “بيرقدار” التي أثبتت فعاليتها في معارك عديدة ومناطق مختلفة، وتحدث العالم من الصين واليابان إلى أوروبا والولايات المتحدة، عما قامت به الشركة ومسيراتها، كما أثنوا على وقوف تركيا إلى جانب الشعب الأوكراني ضد الغزو الروسي.

تركيا ترفض انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمالي الأطلسي “الناتو”، قبل أن تتخليا عن دعم التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها، ودفع هذا الموقف جهات غربية إلى اتهام أنقرة بأنها تعرقل توسع الناتو، وتخدم موسكو. ومن خلال إهداء شركة “بيكار” المقربة من الحكومة مسيّرة إلى ليتوانيا، نسفت تركيا كل تلك الاتهامات، وأثبتت أنها تخدم الناتو أكثر من معظم أعضاء الحلف الأخرى. ومن المؤكد أن إهداء شركة “بيكار” مسيرة إلى ليتوانيا، بضوء أخضر من أنقرة، سيدحض إلى حد كبير تلك الادعاءات المغرضة التي تروجها وسائل إعلام غربية حول حقيقة الموقف التركي من انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو.

تركيا ترفض انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمالي الأطلسي “الناتو”، قبل أن تتخليا عن دعم التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمنها، ودفع هذا الموقف جهات غربية إلى اتهام أنقرة بأنها تعرقل توسع الناتو، وتخدم موسكو. ومن خلال إهداء شركة “بيكار” المقربة من الحكومة مسيّرة إلى ليتوانيا، نسفت تركيا كل تلك الاتهامات

العلاقات التركية الأوكرانية وصلت إلى مستويات عالية قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. وبعد اندلاع الحرب، حاولت أنقرة أن تحافظ على تلك العلاقات دون أن تتخلى عن علاقاتها مع روسيا. وهناك اتفاقيات تعاون بين أنقرة وكييف، ومشاريع مشتركة في مختلف المجالات على رأسها الصناعات الدفاعية، كما أن شركة “بيكار” كانت تخطط فتح مصنع لإنتاج مسيراتها في أوكرانيا.

وتبعث خطوة شركة “بيكار” رسالة إلى حكومة أوكرانيا وشعبها، مفادها أن الشركة حريصة على استمرار الصداقة والتعاون مع الجانب الأوكراني، كما أن أنقرة سوف تواصل وقوفها إلى جانب الشعب الأوكراني. وعلق السفير الأوكراني لدى أنقرة، واسيل بودنار، على ما قامت به شركة “بيكار” قائلا إن الصديق الحقيقي يظهر في وقت الضيق.

ليتوانيا من الدول الأوروبية وإحدى دول البلطيق، وانضمت عام 2004 إلى الاتحاد الأوروبي. وأكدت خطوة شركة “بيكار” لدول أوروبا الصغيرة أن صداقة تركيا أغلى وأنفع. ووصف وزير الدفاع الليتواني، أرفيداس أنوشوسكاس، إهداء مسيرة إلى بلاده بــ­”أمر لا يصدق”، كما أثنى كثير من الليتوانيين والأوكرانيين والمتعاطفين مع الشعب الأوكراني على تركيا وشركة “بيكار”.

ومن المتوقع أن تغير مثل هذه الخطوات رأي الشارع الأوروبي إلى حد ما لصالح أنقرة، في الوقت الذي تشترط فيه تركيا على السويد وفنلندا أن تلبيا مطالبها المشروعة المتعلقة بأمنها القومي للموافقة على انضمامهما إلى الناتو، وتستعد أن تطلق عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وإقامة منطقة آمنة للنازحين السوريين على الشريط الحدودي.

الرأي العام الأوروبي سيرى أن تركيا تقف إلى جانب أوكرانيا ودول البلطيق، بالإضافة إلى دول البلقان، في الوقت الذي تسمح الدول الأوروبية لحزب العمال الكردستاني بتنظيم مظاهرات احتجاجية ورفع أعلامه وصور زعيمه في شوارع عواصمها، على الرغم من أن كل تلك الدول تصنفه ضمن التنظيمات الإرهابية

الرأي العام في أوروبا عموما والسويد وفنلندا على وجه الخصوص، سيتساءل أكثر في الأيام القادمة، عن أسباب دعم البلدين لتنظيمات إرهابية وفوائد تفضيلها على تركيا، وسيكتشف، على سبيل المثال، أن نائبة من أصول إيرانية كردية تتلقى أوامرها من قادة المنظمة الإرهابية المتخفين في جبال قنديل بشمال العراق، هي وحدها تأخذ الحكومة السويدية رهينة، وتهددها بالإسقاط إن لم تدعم حزب العمال الكردستاني، لأن الحكومة السويدية بحاجة إلى صوتها لنيل الثقة. كما أن معارضة السويد ستتحرك ضد حكومتها التي هي ذاتها تعرقل انضمام البلاد إلى الناتو بسبب إصرارها على دعم تنظيمات إرهابية، وتطرح هذا السؤال: “أيهما أفضل للسويد، مواصلة دعم حزب العمال الكردستاني والبقاء خارج مظلة الناتو أم تلبية مطالب تركيا المشروعة والانضمام إلى الحلف؟”، لترى الحكومة السويدية أن ثمن دعم حزب العمال الكردستاني سيكون أغلى كل يوم من الذي قبله.

الرأي العام الأوروبي سيرى أن تركيا تقف إلى جانب أوكرانيا ودول البلطيق، بالإضافة إلى دول البلقان، في الوقت الذي تسمح فيه الدول الأوروبية لحزب العمال الكردستاني بتنظيم مظاهرات احتجاجية ورفع أعلامه وصور زعيمه في شوارع عواصمها، على الرغم من أن كل تلك الدول تصنفه ضمن التنظيمات الإرهابية، ليكتشف أن الحق مع أنقرة في هذه الأزمة. وقد يرى في المستقبل القريب أن “الوحش الذي قامت الدول الأوروبية بتربيته ورعايته” يمكن أن يضرها في حال وافقت السويد وفنلندا على تلبية مطالب تركيا، وأغضبتا المنظمة الإرهابية.

ما الذي كسبته تركيا بإهداء مسيّرة إلى ليتوانيا؟
بواسطة / إسماعيل ياشا
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “تركيا الآن”
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.