وفضلا عن ذلك، الوضع المتردي المشهود في مستشفياتهم. فإيطاليا، على سبيل المثال، مات فيها المصابون في ممرات المستشفيات؛ لأن سعتها لم تكن كافية. وتُرك العديد من المرضى ليموتوا دون أن تستطيع الأنطمة الطبية فعل أي شيء.
ووصف ماورو دامبروسيو، الذي يعمل كطبيب في إحدى المستشفيات في مدينة ميلانو الإيطالية، ممارساته غير المقبولة من الناحية الإنسانية والأخلاقية قائلا: “إذا أصبحت حالة المريض الصحية خطرة للغاية ولم يعد هناك أمل في بقائه على قيد الحياة، فإننا كنا نرجح إعطاء السرير أو الخدمات الصحية المقدمة له إلى مريض آخر احتمالية تعافيه أكبر.”
وعُلم لاحقًا أيضًا أن دول مثل إيطاليا، وإسبانيا، وأمريكا لم يستقبلوا كبار السن المصابين بالفيروس لعلاجهم؛ بدعوى أنهم سيموتون على أي حال.
تذكروا أنه تم العثور على مئات الجثث في دور رعاية المسنين المهجورة في إسبانيا، وهي إحدى الدول الأوروبية الأكثر تضررًا من جائحة كورونا. لقد ارتجفنا من شدة الخوف عندما علمنا أن العاملين في دور رعاية المسنين في أوروبا خشوا أن يصابوا بالفيروس، وتركوا كبار السن يموتون. بيد أن الحضارة الأوروبية لم تهتم لذلك.
حتى أنه قد أُجري استطلاع للرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية، طُلب فيه من الجمهور إعطاء الأولوية لاستخدام أجهزة التنفس، والتي تعتبر ذات أهمية حيوية بالنسبة للمصابين بفيروس كورونا (كوفيد – 19). وطُرح على المشاركين أسئلة من نوعية هل يجب توصيل أجهزة التنفس بأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها في الوقت الحالي، أم توصيلها بأولئك الذين يمتلكون فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة؟ وجاءت نتائج الاستطلاع على هذا النحو: 50 في المئة من المشاركين يرون أن يتم توصيل أجهزة التنفس بأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها في الوقت الحالي، فيما فضل 45 في المئة أن يتم توصيل تلك الأجهزة بالأشخاص الذين لديهم احتمالية عالية للبقاء على قيد الحياة.
وقد تم نشر تفاصيل الاستطلاع على موقع “يورونيوز” الأوروبي. وقد اختلفت إجابات المشاركين حسب كونهم أصحاب اعتقاد ديني أم لا. وفي الوقت الذي يقول فيه 55 في المئة من أصحاب الاعتقاد بضرورة تخصيص أجهزة التنفس للمرضى الذين هم في أمس الحاجة إليها في الوقت الحالي، يرى 39 في المئة منهم ضرورة إعطاء الأولوية لمن لديهم احتمالية عالية للبقاء على قيد الحياة.
وبينما كان الغرب يصوت على “من يموت أولاً”، عمل المهندسون الأتراك ليل نهار بدعم من العديد من الشركات في تركيا، وتم إنتاج الآلاف من أجهزة التنفس الصناعي من الصفر خلال شهر واحد فقط، الأمر الذي كان له بالغ الأثر في تجاوز الأزمة. ولم يكن هناك تمييز بين المرضى سواء كانوا شباب أو كبار في السن أو حتى أصحاب أمراض مزمنة. وتم تصدير هذه الأجهزة إلى أكثر من 30 دولة، كما تم إرسال عدد منها إلى الدول الأفريقية في صورة مساعدات طبية.
كما تمت مراجعة الروابط الإنسانية خلال فترة الوباء الذي أنهك العالم بأسره، ودفع المجتمعات إلى اليأس والإحباط. وكانت هذه العلاقات أيضًا وراء تعافي تركيا تدريجيًا من الوباء المميت مقارنة بالدول الأخرى، وتجاوزها التدريجي أيضًا لفترة الإغلاق الذي دام لشهور. وتمثلت العوامل الرئيسية لهذا التعافي في الاعتقاد الديني القوي، وعدم تدهور بنية الأسرة مقارنة بالغرب، والمستوى العالي من التعاون والتضحية.
لكن يبدو أن هذه القوة تفقد نفسها في تركيا أيضًا. وجدير بالذكر أن عنوان المقال هذا مشتق من هذا الخوف. فأنا أتحدث عن تأثير سياسة أوميت أوزداغ البالغ من العمر 61 عامًا، والمولود في العاصمة اليابانية طوكيو، على الخطابات العنصرية المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة.
فقد طالب أوزداغ الشباب، الذي يطمح في الحصول على أصواتهم في الانتخابات، بأن يسلبوا آبائهم وأمهاتهم حقهم في التصويت. إذ قال حرفيًا الكلمات التالية: “اقنعوا والديكم، وإن لم تستطعوا، عليكم بحبسهم في المنزل يوم الانتخابات حتى لا يتمكنوا من التصويت، والعبث بمستقبلكم “.
وقد تم استخدام اعتراض أوزداغ هذا، والذي أدى إلى تحول العنصرية إلى عداء سياسي تجاه الآباء والأمهات، كمزحة على وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك الوقت. وقد قام الشباب بإهانة الكبار الذين صوتوا لحزب العدالة والتنمية بهذه الطريقة.
ومع ذلك، فقد قرأت التعليقات على كلام أوزداغ وشعرت بالرعب؛ إذ بات الشباب يتحدثون الآن عن قتل والديهم بالشجاعة التي استمدوها من تصريحات أوزداغ. وقرأت أيضًا النكات القاسية والتي تنم عن انعدام الضمير والتي يرددها الأبناء الذين لم يحزنوا على وفاة والديهم بدعوى أنهم كانوا سيصوتون لحزب العدالة والتنمية لو ظلوا على قيد الحياة. لا أتحدث عن تعليق واحد أو اثنان أو حتى ثلاثة. فقد قرأت مئات التعليقات. وقد تكون هذه الحسابات مجهولة المصدر أو وهمية، ولكن في النهاية، من كتب تلك الجمل هو إنسان، وليس جهاز كمبيوتر.
لقد وجدت الخطابات العنصرية، التي تصاعدت في السنوات الخمس عشرة الماضية في البلدان الأوروبية، أساسًا سريعًا للغاية، وهي الآن تشكل السياسة. ونحن نمر بعملية مماثلة ومتسارعة في تركيا؛ إذ ارتفعت العنصرية بشكل كبير مع تأثير وسائل التواصل الاجتماعي. وقد بدأ أوميت أوزداغ في تغذية وتسميم هذه القناة السياسية التي ترعرع عليها. ونثر بذور الكراهية في وسط البيوت. والسؤال هنا إذا وجد الشباب، الذين تم سوقهم إلى فكرة حبس والديهم في المنزل حتى لا يصوتوا لحزب العدالة والتنمية، أن هذه الرسالة منطقية، ألن يفعلوا ما هو أسوأ من ذلك؟ آمل ألا نشهد مثل هذه المآسي.
بواسطة / أرسين جليك