نقلت وسائل الإعلام الأسبوع المنصرم تصريحات عن سامح شكري، وزير خارجية مصر، قال فيها؛ إنّ “هناك أطرافاً ليبية تتمسك بالسلطة، وهو ما يُعقد المشهد في البلاد”. ودعا شكري إلى “احترام مجلس النواب الليبي، وكذلك احترام خطوة تشكيل الحكومة الجديدة”، مشيرا إلى أنّه “لا يوجد إجراء حاسم لخروج القوات الأجنبية من ليبيا رغم كل التعهدات”، وأنّ تركيا لم تتّخذ أي تغييرات من شأنها أن تُساهم في تطوير العلاقات مع مصر.
تصريحات شكري جاءت على خلفية عودة الخلاف من جديد بين القاهرة وأنقرة بشأن الوضع في ليبيا والتصعيد اليوناني ضد تركيا شرق البحر المتوسط. ففي 3 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، زار وفد تركي رفيع المستوى ضم كلّا من وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والطاقة فاتح دونماز، والدفاع خلوصي أكار، والتجارة محمد موش، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، ومتحدث الرئاسة إبراهيم كالن، العاصمة الليبية طرابلس.
وخلال الزيارة، وقّع الطرفان على مذكرة تفاهم تنصّ على تعزيز التعاون بين تركيا وليبيا في المجال العملي والفني والتقني والقانوني والتجاري في قطاع النفط والغاز، وتبادل الخبرات والتدريب، وضمان المصالح المشتركة، والسماح بعمليات الاستكشاف والتنقيب، وإقامة تعاون بين الشركات التركية والليبية في هذا المجال، وذلك استنادا الى قاعدة الربح المتبادل.
توقيت الاتفاقية كان حاسما، ويبدو أنّه جاء للرد على الخطوات التي اتخذتها كل من اليونان ومصر بشأن الوضع شرق البحر المتوسط وليبيا. أثينا منزعجة ومتضرّرة في الوقت نفسه من حالة خفض التصعيد المستمرة منذ أكثر من عام في المنطقة، ذلك أنّ هذا الوضع أدّى إلى تفكك تحالفها الذي يضم إلى جانب قبرص ومصر، كلّا من إسرائيل والإمارات والسعودية وفرنسا، الذي كان من المفترض له أن يعزل تركيا شرق البحر المتوسط في العام 2019.
ومع تحسّن علاقات أنقرة مع البلدان المذكورة مؤخرا، لم يبق لليونان سوى مصر. وقد زادت الحرب الروسية ـ الأوكرانية من توتّر الجانب اليوناني، ذلك أنّ حاجة أوروبا إلى الغاز تُملي عليهم التخلي عن مشاريع ذات طابع سياسي، لصالح مشاريع ذات جدوى اقتصادية، وهو ما يعني في هذ الحالة التخلي عن مشروع “إيست مد”، الذي كانت اليوناني تعوّل عليه لتثبيت ما تدّعي أنّه حقها في مواجهة تركيا، لصالح خط أنابيب إسرائيل ـ تركيا، ربما.
فمنذ عدّة أشهر، تقود اليونان حملة تصعيدية في واشنطن والعواصم الغربية ضد أنقرة. وقد أرسلت مدرّعات أمريكية الصنع إلى الجزر الملاصقة للساحل التركي، التي من المفترض أن تكون منزوعة السلاح وفق الاتفاقات الدولية ذات الصلة. كما بدت أثينا في موقف المستعجل؛ لتخريب التقارب المصري ـ التركي؛ خوفا من أن تفقد ورقتها الأخيرة.
في المقابل، أعادت القاهرة ارتكاب الأخطاء السابقة نفسها في ليبيا. فبعد أن كانت قد فشلت في الرهان على مجرم الحرب خليفة حفتر وانقلابه العسكري نتيجة للتدخل التركي، بدا وكأنّها تحاول إعادة الكرّة، بشكل مختلف هذه المرّة، عبر دعم فتحي باشاغا، الذي حاول بدوره في آب (أغسطس) الماضي الاستيلاء على السلطة، وقد قيل حينها؛ إنّ التدخل التركي حال مرّة أخرى دون تحقيق أهداف المعسكر الذي يمثّله.
بعيد هذه الأحداث، وقّع الطرفان التركي والليبي مذكرة تفاهم في 3 تشرين الأول/أكتوبر، التي بدت وكأنها تقتطع الطريق على اليونان ومصر وتضمن حقوق أنقرة وطرابلس وتعزّز من تعاونهما. لكن بدلا من استيعاب الرسالة، سارع وزير الخارجية اليوناني إلى عقد اجتماع مع نظيره المصري في القاهرة لإدانة الاتفاق التركي ـ الليبي، وأطلق الطرفان تصريحات معادية للحكومة الليبية ولتركيا.
ردّت الحكومة الليبية على الجانب المصري متهمّة إياه بالتدخّل السافر في الشؤون الداخلية لليبيا، ومعتبرة أنّ موقف القاهرة غير مبرر ومرفوض وأنّ على مصر مراجعة موقفها. أمّا الجانب التركي، فردّ بأنّه لا يحق لأحد أن يتدخل في اتفاق بين دولتين مستقلّتين ذات سيادة. ما يثير الاستغراب في الموقف المصري، هو أنّه يعترض على اتفاق هو غير متضرّر منه ويضمن حقوق الشعب الليبي في المياه جنوب جزيرة كريت أمام الأطماع اليونانية.
وبالرغم من أنّ تركيا تفادت الرد على مصر مباشرة وركّزت على اليونان، فضلا عن توقيع اتفاقيات تنفيذية ذات طابع دفاعي وأمني خلال زيارة دبيبة إلى تركيا الأسبوع المنصرم، فإنّ القاهرة لا تزال تتّخذ مواقف تصعيدية وتصريحات استفزازاية ضد تركيا، علما أنّ العلاقات التجارية بين القاهرة وأنقرة لا تزال قائمة وفي مسار تصاعدي، الأمر الذي يستدعي السؤال البديهي “لماذا”؟
يعتقد النظام المصري أنّ دعمه المطلق لمواقف اليونان ضد تركيا ومصالح الشعب الليبي، سيؤمّن له المساعدات المالية اللازمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الامريكية، على اعتبار أنّ أثينا هي بمنزلة البوابة لهذا الدعم.
هناك من يرى أنّ التدهور الذي جرى في وضع مصر الاقتصادي مؤخرا والانهيار التاريخي لقيمة العملة المحلية، يجعل قدرة النظام المصري على المناورة السياسية أضعف مما كانت عليه، كما يقلّص مساحة هذه المناورة، ويدفع مصر لأن تصبح رهينة حسابات متعلّقة بمصلحة النظام، وليس الدولة المصرية. بمعنى آخر، في سياق بحثه عن مساعدات مالية تخلّصه من مأزقه، لاسيما بعد أن تراجع الدعم المالي المقدّم من الدول الخليجية، يعتقد النظام المصري أنّ دعمه المطلق لمواقف اليونان ضد تركيا ومصالح الشعب الليبي، سيؤمّن له المساعدات المالية اللازمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتّحدة الأمريكية، على اعتبار أنّ أثينا هي بمنزلة البوابة لهذا الدعم.
هناك من يرى أيضا، أن خلفيّة الموقف المصري في ليبيا تقوم على فكرة محاولة استغلال ثروات ليبيا لتخليص نظام السيسي من ورطته. لكن، كان من الممكن للقاهرة أن تحقق ما يخدم مصلحة الشعب المصري، من خلال التعاون مع الحكومة الليبية وتركيا، بدلا من تقويض موقفهما ورفض حق الشعب الليبي في حماية ثرواته وحقوقه من الأطماع اليونانية.
القاهرة اليوم أضعف مما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام. حينها كانت الإمارات والسعودية وإسرائيل وفرنسا وروسيا تشكّل شبكة أمان للدعم الذي يتم تقديمه، من خلال مصر للانقلابي حفتر. أمّا اليوم، فانفضاض هذه الأطراف عنها بالإضافة إلى وضعها السياسي والاقتصادي المتدهور، يجعلها أضعف من أن تستطيع تغيير أي شيء بمفردها في الإقليم، فضلا عن المشاكل الداخلية التي تعيشها. وعليه، فإنّ الحل هو أن يعيد النظام المصري تقييم موقفه في الداخل والخارج، استنادا إلى رؤية واقعية.
بواسطة / على باكير
الدبلوماسية المصرية منذ الانقلاب العسكري لا تتبع أهداف وطنية بل مصالح النظام الحاكم وأهوائه والآن الدبلوماسية المصرية تتبع طريقة الحسد والكيد والاستفزاز نتيجة لنجاح الدبلوماسية والنموذج التركي في التنمية الحضارية المتكاملة والذي عرى الفساد والفشل الذريع للنظام المصري في كل المجالات