بأنامل غير قابلة للارتعاش، وخفة يحسُده عليها أمهر الفنانين، يحاول التركي، عبد الوهاب إير بتكين، أستاذ فن الرسم على الماء (إيبرو)، تعليم مجموعة من الطلاب والطالبات بالسودان ذلك الفن التركي الأصيل.
بتكين الذي وصل إلى العاصمة الخرطوم في 16 أغسطس/آب الماضي، بدعوة رسمية، من فيض الله بهجي مدير المركز الثقافي التركي بالخرطوم (يونس إمره)، يسعى صباحًا ومساءً، لنشر فن الرسم على الماء في السودان.
و”إيبرو”، الذي يشكل تحفًا تشهد لصانعيها بالإبداع والمهارة من الفنون الشعبية في تركيا، يُعرف باسم (ebru sanatı).
قال بتكين، في حديث للأناضول: “حضرت إلى الخرطوم لإنجاز دورة تدريبية يُنظّمها المركز الثقافي التركي بالخرطوم، في الفترة من 20- 26 أغسطس 2017، تضم 60 طالبًا وطالبًة”.
يذهب الفنان التركي إلى كلية الفنون الجميلة، بجامعة “السودان” (حكومية) في الفترة الصباحية لتدريس “الإيبرو” لـ15 طالبًا، ثم ما يلبث أن يعود للمركز الثقافي التركي في الفترة المسائية، وهناك يجد في انتظاره 45 طالبًا سودانيًا شغوفين بتعلم الفن الذي بلغ أوجه في عهد الدولة العثمانية.
غير أن أكثر ما لفت نظر الأستاذ التركي، الذي يزور الخرطوم للمرة الأولى إقبال السودانيين على تعلم فن الرسم على الماء، ورغبتهم في تعلم ذلك الفن المدهش.
وأوضح أن “فن الإيبرو من الفنون الكلاسيكية، ويحتاج إلى فترة زمنية طويلة”، معربًا عن أمله في “عقد دورات أخرى، حتى يُتقن هؤلاء الطلاب الفن بصورة جميلة”.
يقوم بتكين وسط دهشة طلابه بوضع ألوان معينة والرسم بها على الماء، قبل أن يفرد قطعة ورق من النوع الذي يستطيع امتصاص الماء ومعه الطلاء، وبالتالي تنتقل الرسومات من الماء إلى الورق.
من جهتها، قالت ولاء طارق طالبة الهندسة الكيميائية بجامعة “يلدز” التركية (حكومية) التي تشارك في دورة الرسم على الماء: “تعلّمنا رسم الأشكال الهندسية على الماء، وهذه فرصة ممتازة لدراسة فن مختلف”.
وأضافت في حديث للأناضول: “فن إيبرو يحتاج إلى مهارات، ولكنها فرصة جميلة على كل حال”.
بدورها وصفت المهندسة المعمارية، هدى عبد الله، فن الرسم على الماء بـ”الجميل والمختلف”.
وقالت للأناضول: “تعلمنا فن رسم الفراشات، والأشكال الهندسية الأخرى، والدورة التدريبة فرصة جميلة لنا بالسودان”.
والكثير من الشعوب عرفت “إيبرو” مثل بلاد فارس قديمًا (إيران)، والهند والصين، وفي تركيا بلغ ذروته في عهد الدولة العثمانية، ودخل في مجال الفنون الإسلامية آنذاك.
ويعتمد هذا الفن على الرسم على الماء المخلوط بمواد معينة لجعله كثيفًا، ويستخدم له ألوان خاصة يتم رشها وتشكيلها على السطح، بحيث يمكن فيما بعد أخذ ذلك الرسم على ورق مرمري خاص سميك يتحمل الماء.
لوحات هذا الفن تعرف بالإنجليزية باسم الورق الرخامي (Paper Marbling)؛ كونه ينتج لوحات تشبه أشكال الرخام، وتوضع هذه اللوحات كأغلفة للكتب أو كخلفيات للكتابة بالخطوط العربية.
و”إيبرو”، كلمة فارسية تعني الغيوم أو السحاب، وباللغة التركية تعني حاجب العين أو الورق الملون والمجذع، أو الورق والقماش الملون بألوان مختلفة الذي يستخدم في تغليف الكتب والدفاتر.
ويهدف المعهد الثقافي التركي في الخرطوم، الذي تم افتتاحه في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى نشر الثقافة واللغة التركية في أرجاء القارة الإفريقية.
ويحتوي المعهد على قاعات لتدريس اللغة التركية، ويضم حاليًا 341 طالبًا من جنسيات مختلفة، ويتولى التدريس فيه 4 أساتذة أتراك إلى جانب خامس سوداني.
وخلال العقدين الماضيين، وتحديدًا منذ وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى السلطة في تركيا، تطوّرت العلاقة بشكل ملحوظ مع الخرطوم، ضمن خطة طموحة لتعزيز التواصل مع إفريقيا.
الاناضول