أثارت قضية تزويج فتاة قاصرة من قبل أسرتها التي تنتمي إلى إحدى الطرق الصوفية ضجة كبيرة في تركيا، جراء تقارير إخبارية نشرتها وسائل إعلام معارضة للحكومة تدعي بأن الفتاة كانت تبلغ فقط السادسة من عمرها حين تزوجت، كما شارك مشاهير الفن ومواقع التواصل الاجتماعي الموالون للمعارضة في إدانة “إجبار الطفلة على الزواج”. وهناك تفاصيل أخرى في ملف القضية تم تسريبها إلى الإعلام، كتحرش الرجل بذات الفتاة في سن مبكر قبل زواجهما، إلا أن كل تلك التفاصيل لا تتجاوز كونها “ادعاء” قبل أن يبت القضاء حكمه النهائي.
القانون التركي يجرم الزواج المبكر، وبالتالي تتم حاليا محاكمة الزوج ووالد الفتاة ووالدتها. ويطلب الادعاء عقوبة السجن في حق الثلاثة لا تقل مدتها للزوج عن 30 سنة وللولدين عن 18 سنة. وتتابع وزارة الأسرة القضية عن كثب، كما تم توفير مكان إقامة آمن للفتاة لحمايتها، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مادية ومعنوية لها من قبل الوزارة لمعالجة مشاكلها النفسية.
المعارضة تسعى إلى تحويل القضية إلى حملة تحريض ضد الحكومة، وكأنها هي المسؤولة عن ذاك التزويج، فيما تنفي أسرة الفتاة إجبارها على الزواج في سن السادسة، مضيفة أن ابنتها كانت تبلغ الرابعة عشر من عمرها حين دخلت عش الزوجية بإرادتها، وأنها بدأت تعاني من مشاكل نفسية بعد أن سقط جنينها حتى انفصلت عن زوجها عبر المحكمة.
حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى الحكم يسعى إلى تعزيز مكانة المرأة وحقوقها وحمايتها من العنف الأسري، ويتبع سياسة “التمييز الإيجابي” لصالحها، وبسبب هذه السياسة، يتعرض لانتقادات ويتهم بالانحياز للمرأة على حساب الرجل. ولذلك، تخطئ المعارضة استراتيجيا في محاولتها لاستغلال هذه القضية لحشد الشارع التركي ضد الحكومة.
الأسرة المتهمة بتزويج ابنتها في سن مبكر تنتمي إلى إحدى الطرق الصوفية في تركيا، وبدأ العلمانيون الموالون لحزب الشعب الجمهوري يستغلون هذا الانتماء في الهجوم على الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية، ويطالبون بحظرها وإغلاق مؤسساتها. إلا أن هذه المطالبة لفتت الأنظار إلى العلاقات المتشابكة بين تلك الجماعات والطرق والأحزاب السياسية.
هناك جماعات إسلامية وطرق صوفية مؤيدة للحكومة وأخرى معارضة لها، الأمر الذي يجعل المعارضة تطلق النار على نفسها حين تسعى إلى شيطنة كافة الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية مستغلة القضية التي تلف حولها علامات استفهام كثيرة. وعلى سبيل المثال، فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، برئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية الأخيرة بفضل دعم الجماعة التي أسسها الشيخ سليمان حلمي طوناحان أو “سليمانجيلار” كما يسميهم الأتراك.
رئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشنير، قامت قبل فترة بزيارة رئيس حزب تركيا المستقلة، حسين باش، وسعت لضمه إلى الطاولة السداسية، ورحب حزب الشعب الجمهوري بالفكرة، إلا أن حزب السعادة وحزب الديمقراطية والتقدم رفضا انضمام ذاك الحزب إلى التحالف المعارض، علما بأن الحزب المذكور هو في الحقيقة طريقة صوفية توفي شيخها حيدر باش في نيسان/ أبريل 2020 ليرث نجله حسين مشيخة الطريقة ورئاسة الحزب من أبيه. وهناك حديث يدور في الكواليس السياسية والإعلامية حول رغبة أكشنير في ترشيح حسين باش في الانتخابات البرلمانية ضمن قوائم حزبها، للحصول على أصوات المنتمين إلى تلك الطريقة.
جماعة فتح الله غولن التي تدعم المعارضة بقوة لا تختلف عن الطرق الصوفية، كما أن جماعة “يني آسيا”، إحدى الجماعات النورسية، هي من أشد المعارضين للحكومة. وهناك أحزاب معارضة، كالحزب الجيد، تراهن على أصوات الناخبين المنتمين لها في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، في ظل تقارب نسبتي أصوات التحالف المؤيد للحكومة والآخر المعارض لها.
حملة التشويه التي أطلقها الموالون لحزب الشعب الجمهوري أحدثت شرخا في صفوف تحالف الطاولة السداسية. ورفض رئيس حزب السعادة، تمل كاراموللا أوغلو تعميم جريمة وأخطاء فردية لاتهام جميع الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية، وانتقد إعلاميون مقربون من حزب الشعب الجمهوري موقف كاراموللا أوغلو من القضية. وذكر النائب عن حزب الشعب الجمهوري، يلدريم كايا، في كلمته في البرلمان، جمعية الأناضول للشباب، ضمن الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي ادعى بأنها تعمل لاغتصاب الفتيات، ليزيد الطين بلة، لأن الجمعية المذكورة هي شبيبة حزب السعادة.
كلمة النائب عن حزب الشعب الجمهوري أثارت موجة غضب في صفوف حزب السعادة الذي يطالب بتراجع كايا عن اتهامه، مع تقديم اعتذار إلى الجمعية. ويبدو أن ذاك النائب حين ألقى كلمته لم يكن يعرف حقيقة العلاقة بين جمعية الأناضول للشباب وحزب السعادة المتحالف مع حزبه. ولكن لا يتوقع أن تؤدي هذه الأزمة إلى انسحاب حزب السعادة من التحالف المعارض، ومن المؤكد أن حزب السعادة سيبقى في تحالف الطاولة السداسية ما دام عداؤه لأردوغان أكبر من كل الاعتبارات الأخرى.