عمود تشمبرليطاش.. شاهد صامت على 1700 عام من تاريخ إسطنبول (تقرير)

على إحدى التلال السبع لمدينة إسطنبول القديمة، يقف عمود تشمبرليطاش الأثري شاهدا صامتا على 1700 عام من تاريخ المدينة العريق.

بُني هذا المعلم الأثري بأمر من الإمبراطور قسطنطين الأول (272 م – 337 م)، ليصبح رمزا معماريا هاما يروي حكايات الحضارات التي تعاقبت على إسطنبول.

واخُتير له وسط ساحة منتدى قسطنطينوس العظيم، ليكون بمثابة النقطة المحورية للمدينة.

في الفترة البيزنطية، استحوذ هذا المعلم الأثري على أهمية كبيرة، فيما لم يفقد قيمته خلال العهد العثماني، حيث خضع للعديد من عمليات الترميم إلى أن وصل إلى يومنا هذا.

** تاريخ البناء

وخلال حديثه إلى مراسل الأناضول، أشار عالم الآثار التركي مراد ساو إلى الأهمية التاريخية لمدينة إسطنبول القديمة، لافتا إلى أن عمود تشمبرليطاش كان أحد النقاط المحورية في المدينة.

وأوضح أن نصب عمود تشمبرليطاش جاء في إطار جهود الإمبراطور قسطنطين الأول في عشرينيات القرن الرابع الميلادي لإعادة تصميم إسطنبول بنمط معماري جديد، بما يشمل إنشاء ساحة عرفت باسم ساحة منتدى قسطنطينوس العظيم، والتي كانت في الأصل مقبرة قبل أن تتحول إلى ساحة.

ولفت إلى أن هذه الساحة تغير اسمها لاحقا إلى “تشمبرليطاش” وتعني الحجر المدوّر، وكان تضم آنذاك تماثيل لآلهة إغريقية مثل زيوس وأثينا وبوسيدون.

وذكر ساو أن نصب عمود تشمبرليطاش جاء في الفترة التي اكتسبت فيها مدينة إسطنبول القديمة هويتها الأولى، مبينا أن أهمية العمود تنبع من بعض الرموز المقدسة والأساطير المرتبطة به.

وأشار إلى أن قسطنطين الأول وسّع حدود المدينة أثناء إعادة تصميمها، وأنشأ ساحة المنتدى بجوار بوابة المدينة القديمة، ونصب العمود الذي نراه اليوم في وسطها، ووضع تمثاله على قمته.

ولفت إلى أن العمود مصنوع من حجر البورفير الفريد، وأنه كان في الأصل موجودا في روما القديمة، وربما كان يحمل تمثالًا للإله الإغريقي أبولو.

وذكر أن قسطنطين الأول أمر كذلك ببناء قاعة اجتماعات ضخمة تسمى “نينفيوم” بالقرب من ساحة المنتدى.

وأوضح ساو أن الأباطرة الرومان أبدوا اهتماما منقطع النظير بمثل هذه المعالم المعمارية لأنها كانت تعكس هويتهم وتجذب الناس إلى المكان.

وكشف ساو أيضًا عن عادة قديمة كانت سائدة في إسطنبول القديمة، حيث كان السكان يرقصون حول عمود تشمبرليطاش، تعبيرا عن تبجيلهم لتمثال الإمبراطور قسطنطين الأول في قمته، وقد استمرت هذه العادة حتى بعد انتشار المسيحية.

ولفت إلى أنه في القرنين السابع والثامن الميلادي، تم بناء كنيسة صغيرة تحمل اسم قسطنطين بالقرب من العمود.

** انهيار أجزاء من العمود

وحول الشكل الأصلي لعمود تشمبرليطاش، قال ساو إنه كان يتكون من تسعة قطع حجرية إسطوانية، لكن لم يبق منها اليوم سوى ستة فقط.

وأوضح أن القطع الحجرية الثلاث العليا للعمود والتمثال الذي كان منتصبا أعلاها انهارت جراء عاصفة قوية ضربت إسطنبول أوائل القرن الثاني عشر الميلادي. وتسبب هذا الانهيار آنذاك في تدمير كنيسة قسطنطين.

وأشار ساو إلى عمليات ترميم للعمود جرت في عهد الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول 1143-1180.

شمل ذلك إضافة قاعدة رخامية بيضاء ووضع صليب أعلى العمود، بجانب تزيين النصب بحلقات دائرية بين الأسطوانات الحجرية على شكل أغصان الغار التي ترمز إلى أبولو.

وأورد ساو أحد الحكايات الشهيرة حول العمود، حيث ذكر المؤرخ سقراط سكولاستيكوس في كتاباته أن هناك أيقونة مقدسة مخبأة تحت العمود، أرسلها قسطنطين الأول من القدس إلى إسطنبول بعد اكتشافها من قبل والدته هيلينا.

** أعمال ترميم بالعهد العثماني

وفي العهد العثماني، خضع العمود لعمليات ترميم عدة لتعزيز ثباته، فيما تغيرت ملامح المنطقة حوله عبر إضافة مباني معمارية فريدة.

وعن ذلك، قال ساو إن هناك العديد من المباني الهامة بنيت في المنطقة خلال العهد العثماني، مثل مجمع عتيق علي باشا في عهد السلطان بايزيد الثاني، وفندق السفارات الذي كان مخصصًا لاستقبال الوفود الأجنبية، والحمام الذي بناه المعمار سنان بطلب من نوربانو سلطان (زوجة السلطان سليم الثاني ووالدة السلطان مراد الثالث).

إضافة إلى خان الوزير الذي بُني في القرن السابع عشر الميلادي من قبل عائلة “آل كوبرولي” وجامع “نور عثمانية” في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.

وأوضح ساو أن العمود سمي بـ”تشمبرليطاش” (الحجر المدوّر)، بسبب الحلقات المعدنية التي أضيفت إليه في العهد العثماني، لتعزيز استقراره، وأن هذه الحلقات تم استبدالها بانتظام للحفاظ على تماسك العمود.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.