بعد أن كانت زيارة تركيا لأسبوع واحد حُلمًا يراود ميسوري الحال فقط، أصبحت اليوم مستقرًا لآلاف المصريين، حيث استقبلت تركيا قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ووزراء فى حكومة مرسي وسياسين وأعضاء مجلس الشعب ومستشارين في الدولة وعددًا من شباب الثورة والإعلاميين، بعد تعرضهم للتنكيل والاعتقال والملاحقات الأمنية في مصر السيسي.
لجأ كثير من المصريين إلى تركيا منذ ثلاث سنوات، حاملين كثيرًا من الأماني والأحلام، ولكن الواقع هناك خيّب آمالهم، واصطدموا بجدار غلاء الأسعار، وصعوبة الحصول على إقامات سياحية، في ظل تقلّب القوانين وفتح أبواب اللجوء للسوريين.
اختفلت أوضاع المصريين المقيمين في اسطنبول، ما بين سياح أثرياء يقصدونها للترفيه، وهاربين من الملاحقات الأمنية في مصر يعانون من الفقر والبطالة، فالحكومة التركية لم تقدم مساعدات أو مساندات حقيقية للهاربين إليها، والمقيمون فيها تباينت وظائفهم بين العمل في ثلاث قنوات فضائية تدعم القضية المصرية، أو التدريس في مؤسّسات تعليمية تفتح واحدة أبوابها لتُغلق الأخرى، أو في مشاريع مفلسة، أو في وظائف خارج تخصص أصحابها، فتجد أن الطبيب أصبح تاجرًا والمهندس صحافيًا والمعلم سمسارًا.
تركيا ليست آمنة
غلاء المعيشة في اسطنبول مقابل الرواتب التي يتقاضونها، يصعّب الأمر على المغتربين، فضلًا عن ارتفاع نسبة البطالة في تركيا التي وصلت، حسب إحصائيات 2014، إلى 10 في المائة، ليصبح عدد العاطلين من العمل 2 مليون و853 ألف شخص، كما أن الأوضاع السياسية غير المستقرة بعد التفجيرات، ومظاهرات الحزب الكردي، ومحاولة إنقلاب 15 يوليو/ تموز، ودخول تركيا أخيرًا في حرب الموصل، بالإضافة لتغيّر القوانين تثير التخوّف من تغير موقف تركيا السياسي تجاه القضية المصرية، الذي قد يضطرها لتسليم المطلوبين، خاصّة المحكوم عليهم بالإعدام والمتهمين في “قضايا الإرهاب” من طرف حكومة السيسي.
السفارة المصرية بدورها ليست متعاونة في قضاء مصالح الجالية المصرية المقيمة في إسطنبول، فهي تماطل في تسليم الوثائق وجوازات السفر وشهادات الميلاد، وترفض طلبات المحكوم عليهم غيابيًا.
يبدو أن حلم الاستقرار في تركيا قد بدأ يتلاشى عند كثير من المصريين، فالحقائب قد وضّبت للرحيل إلى غير عودة، وحان وقت البحث عن وطن آخر يوفر لهم الاستقرار، وتجددت عند بعضهم أحلام الهجرة إلى أوروبا وكندا وأميركا وإنكلترا، وأصبح حديث المقيمين هو عن الحصول على جنسية دولة أخرى، بل وصل الأمر إلى محاضرات عن كيفية الحصول على تأشيرة سهلة، وظروف كل بلد وقوانين اللجوء إليه، وبالفعل أخذ البعض خطواته بحثًا عن فرصة للهجرة، بناءً على قصص نجاح البعض.
المصريون والعنصرية
ونظمت مراكز محاضرات عن كيفية الحصول على تأشيرة وظروف كل بلد وقوانين اللجوء بها، وبالفعل أخذ البعض خطواته باحثاً عن فرصة نجح فيها البعض وتستمر محاولات الآخرين.
أسماء الخطيب، صحافية سابقة في شبكة رصد الإخبارية، تروي قصّة مجيئها إلى تركيا منذ ثلاث سنوات، بعد تلقّيها طلبًا للتحقيق معها فى قضية تمسُّ بالأمن القومي، حسب الاتهامات التي وجّهت إليها، وحوّل ملفّها إلى مفتي الديار لتنفيذ حكم الإعدام بها. وبعد صدور الحكم، تقول الخطيب، في حديث إلى “جيل”، إنها الآن تبحث عن جنسية لها ولابنيها اللذين يحتاجان للاستقرار، على حدّ تعبيرها.
تعلق أسماء الخطيب على وضعيتها في تركيا بالقول: “الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير مستقرة، وعنصرية الأتراك تجاه الأجانب والعرب تزيد من صعوبة الأمر”، مشيرة إلى أنها تبحث عن اللجوء في دولة هادئة سياسيًا ويتحدّث سكانها الإنكليزية، وتوفّر رعاية صحيّة وتعليمية، فكان من ضمن خياراتها أميركا وكندا ونيوزيلندا التي وقع عليها الاختيار، لقلّة سكانها وتحسن ظروفها الاقتصادية، ولبُعدها عن الصراعات الدولية، تضيف الخطيب.
من جهتها، تعاني أسماء شكر، وهي مصرية مقيمة في اسطنبول، من ارتفاع مستوى المعيشة مقارنة بالراتب الذي تتقاضاه، بالإضافة إلى صعوبة التعامل مع موظفي الحكومة في المدارس، وترى أنهم يعاملون العرب بـ”دونية”، مشيرة إلى أنها لم تفكّر في الخروج من مصر إلا بعد التهم التي وجهت إليها، لكونها عضوًا في حزب الحريّة والعدالة، بالإضافة إلى عملها كمراسلة مصورة، قامت بتوثيق اعتداءات الشرطة في المسيرات، وكغيرها من المصريين تبحث أسماء عن فرصة للانتقال إلى وطن جديد.
لمياء شريف – جيل