الجلوس بالعمل لمدة 9 ساعات يومياً يُعرِّضك لأمراض القلب حتى مع ممارسة الرياضة!
نعرف جيداً أن الجلوس لساعات طويلة ضار بالصحة، سواء كانت ساعات الجلوس تلك في العمل أو حتى أثناء مشاهدة التلفزيون، ولكن هل كنت تتخيل أن يصل الأمر حد الإصابة بأمراض القلب والسرطان؟
كشفت دراسة حديثة أجراها مركز دالاس لدراسات القلب أن الجلوس دون حركة لأوقات طويلة قد يصيب الإنسان بأمراض القلب، ذلك لأن زيادة أوقات الجلوس تزيد احتمالية ظهور علامات على حدوث إصابات في عضلات القلب حتى مع ممارسة الرياضة من حينٍ لآخر، بحسب Business Insider.
وأشارت الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يجلسون لمدةٍ تزيد عن 9 أو 10 ساعات يومياً -ككثيرٍ ممن يعملون في مكاتب- مُعرَّضون للإصابة بمرض السكري وأمراض القلب وغيرها من المشكلات الصحية، وتظل احتمالية التعرُّض لهذه المخاطر مرتفعة نسبياً حتى في حال ممارسة الرياضة.
ويرتبط الإفراط في الجلوس كذلك بحالة قصور القلب، التي تشهد إصابة القلب بضعفٍ تدريجي، والعجز عن ضخ ما يكفي من الدم للحفاظ على كمية مناسبة من الأكسجين في بقية أجزاء الجسم وإبقائه على ما يرام. ولكن لم تتضح كيفية تسبُّب الجلوس -الذي يبدو أنَّه لا يتطلب سوى جهدٍ قليل جداً من القلب- في الإصابة بحالة قصور القلب التي تشهد عجز القلب عن الاستجابة الكافية لبذل الجهد.
وبحسب صحيفة New York Times، بدأت في الآونة الأخيرة مجموعة من أطباء القلب في أنحاء العالم بالتساؤل عن التروبونينات.
جديرٌ بالذكر أنَّ التروبونينات هي البروتينات التي تفرزها خلايا العضلات القلبية عند إصابتها أو موتها. وعند الإصابة بنوبةٍ قلبية، تنطلق موجةٌ هائلة مفاجئة من التروبونينات إلى مجرى الدم.
ويعتقد معظم أطباء القلب أنَّه حتى المستويات المرتفعة قليلاً من التروبونين- وإن كانت أقل من مستوياتها في النوبات القلبية- تُثير القلق في حال استمرارها. إذ تُشير المستويات العالية المزمنة من التروبونين إلى وجود خللٍ ما في عضلة القلب، وحدوث هذا الضرر وتراكمه بها. وإذا لم يخضع هذا الضرر للإيقاف أو الإبطاء، قد يُسفر في نهاية المطاف عن الإصابة بقصور القلب.
ومع ذلك، لم يدرس أي بحثٍ على الإطلاق مدى ارتباط الجلوس بارتفاع مستويات التروبونين.
وفي الدراسة الجديدة التي نُشِرت في مجلة سيركوليشن، لجأ الباحثون إلى بياناتٍ موجودة في دراسة Dallas Heart Study الكبيرة المستمرة المعنية بالصحة القلبية لمجموعةٍ من الرجال والنساء المنتمين إلى أعراقٍ مختلفة، التي يُشرف عليها المركز الطبي بجامعة جنوب غرب تكساس. أجرى المشاركون في الدراسة فحصاً قلبياً، وقدموا عينات دم، ومعلومات صحية، وارتدوا أجهزةً لرصد النشاط على مدار أسبوع.
واستخلص الباحثون معلوماتٍ عن أكثر من 1700 من هؤلاء المشاركين، باستثناء أي مشاركٍ يعاني أمراض القلب أو أعراض قصور القلب، مثل وجود ألمٍ في الصدر أو ضيق التنفس.
وفحصوا عينات دمٍ مأخوذة من رجال ونساء لمعرفة نسبة التروبونين والبيانات المأخوذة من أجهزة رصد النشاط لمعرفة مقدار حركتهم في معظم الأيام، ثم أجروا مقارناتٍ مختلفة.
تبيَّن أنَّ العديد من المشاركين في الدراسة يجلسون كثيراً لمدةٍ تصل إلى 10 ساعات أو أكثر في معظم الأيام. وبطبيعة الحال، نادراً ما يمارس هؤلاء الرجال والنساء الرياضة.
ومع ذلك، وُجِد أنَّ بعض الرجال والنساء مارسوا رياضة المشي في المعتاد. وصحيحٌ أنَّهم لم يمارسوا الكثير من الرياضة، لكن تبيّن أنَّ عدد التمارين التي مارسوها يتناسب عكسياً مع عدد ساعات جلوسهم في المتوسط.
وارتبط هذا النشاط البدني -وإن كان محدوداً كما تبيّن- بمستوياتٍ طبيعية نسبياً من التروبونين. ووُجِد أنَّ الأشخاص الذين كانوا يمارسون أكبر كمٍ من الحركة كانت مستويات التروبونين في دمائهم منخفضة، مع أنَّ الفوائد كانت طفيفة وفقاً للحسابات الإحصائية.
وعلى الجانب الآخر، تبيَّن أنَّ الأشخاص الذين كانوا يجلسون لمدة 10 ساعات أو أكثر، كانت مستويات التروبونين أعلى في دمائهم. وصحيحٌ أنَّ هذه المستويات كانت أقل بكثير من المستويات التي تشير إلى الإصابة بنوبةٍ قلبية، لكنها كانت مرتفعةً بما يكفي لإحداث “إصابة قلبية دون سريرية”، وفقاً لواضعي الدراسة.
وظلت هذه العلاقة قوية، حتى بعدما تحكَّم الباحثون في عوامل أخرى قد تؤثر على مستويات التروبونين، بما في ذلك العمر والجنس ومؤشر كتلة الجسم ووظيفة القلب.
وفي العموم، كان ارتباط الجلوس بالمستويات غير الصحية من التروبونين أقوى من ارتباط ممارسة الرياضة بالمستويات المُرادة منه.
وكانت هذه دراسة رصدية بالطبع، ولا يُمكنها أن تُبيِّن سوى أنَّ الجلوس مرتبطٌ بارتفاع مستويات التروبونين، وليس أنَّه السبب في هذا الارتفاع، ولا يمكنها أن تُفسِّر كذلك كيفية احتمالية إلحاق السكون الجسدي أضراراً بالخلايا القلبية.
لكنَّ الآثار قد تكون غير مباشرة على حد قول جيمس دي ليموس طبيب القلب والأستاذ في المركز الطبي بجامعة جنوب تكساس، الذي أشرف على الدراسة الجديدة.
إذ قال دي ليموس: “ترتبط كثرة الجلوس بالسمنة ومقاومة الأنسولين وترسُّب الدهون في القلب، وكلها أمورٌ قد تؤدي إلى إصابة خلايا القلب”.
وأضاف: “يتمثل الجانب الآخر من الموضوع فيما لا تفعله أثناء الجلوس”. وقال إنَّه مع أنَّ هذه الدراسة اكتشفت فائدةً قليلة من ممارسة الرياضة فيما يتعلق بتحسين مستويات التروبونين، ربما ترتبط هذه النتيجة بمدى قلة الحركة التي يمارسها الناس.
وأردف: “تُشير معظم الدراسات المتعلقة بالقلب والأوعية الدموية، بما في ذلك أعمالٌ أخرى من إعداد مجموعتنا، إلى أهمية ممارسة الرياضة وقلة الجلوس”.
وقال دي ليموس إنَّه وزملاءه يجرون عدداً من دراسات المتابعة لمعرفة تأثير قلة الجلوس أو كثرة ممارسة الرياضة أو كلاهما على مستويات التروبونين، والمخاطر الناجمة عن الإصابة بقصور القلب التي تحدث نتيجةً لذلك.
وأضاف أنَّه في الوقت الراهن، ولا سيما وهم يضعون خططاً للعام الجديد “ينبغي لنا أنَّ نأخذ في الحسبان أنَّ الجلوس يُمثِّل جزءاً مهماً من نمط الحياة الصحي”.
وأردف: “ركِّزوا على قلة الجلوس وكثرة ممارسة الرياضة. استخدموا الدَّرَج، وأوقفوا سياراتكم خارج موقف السيارات. واعقدوا اجتماعاتٍ أثناء المشي أو الوقوف”.