في مواجهة التعصب الأعمى الذي عبرت عنه أقلية صاخبة، تُسمع في الوقت الحاضر في إنجلترا بعض هتافات كرة القدم المُبهجة لاقت شعبية خاصة في نادي ليفربول احتفاءً بمهاجم عربي.
تقول كلمات الأغنية “إذا كان جيدًا بما فيه الكفاية بالنسبة لك / فإنه جيد بما فيه الكفاية بالنسبة لي/ إذا سجل المزيد من الأهداف / سأصبح مسلماً مثله” وتنتهي بكلمات “أنه يجلس في المسجد / هذا هو المكان الذي أريد أن أكون فيه”.
أولئك الذين يقدسون “الملك المصري” محمد صلاح – الذي تتحدث عنه الأغنية – لا يقدمون مجرد الثناء على اللاعب الذي يُمكن القول بإنه أفضل لاعب في الدوري الممتاز في الوقت الراهن. بل أنهم يلتزمون بالتقاليد البريطانية المُتميزة والمتمثلة في التسامح والاحترام. وينبغي أن يكون ذلك سبباً للفخر الوطني البالغ.
قبل أن تصبح كراهية الإسلام هاجساً بين الرعاع وأتباعهم، كان اللاعبون السود هم من يعانون من العنصرية. وتحولت أجواء الاستاد المحمومة إلى أجواءٍ سامة، بسبب مجموعات من قبيل الجبهة الوطنية التي كانت تستخدم الملاعب لمثل هذه الأغراض العنصرية. انتشرت الهتافات المدوية التي اتسمت بالتعبير عن كراهية الأجانب في فترتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والتي شملت: “ليس هناك اللون الأسود في علم المملكة المتحدة – علم الاتحاد، والمعروف أيضًا باسم جاك الاتحاد / أرسل الأوغاد إلى حيث أتوا”.
ولكن ما تغير هو ظهور رجال مثل سيريل ريجيس، لاعب الهجوم في المنتخب الإنجليزي وفريق ويست برومويتش ألبيون، الذي ولد في ماريباسولا، غويانا الفرنسية. فقد كان جزءاً من جيل من اللاعبين ليسوا من ذوي البشرة البيضاء وأحدثوا ثورة ليس فقط في لعبة كرة القدم ولكن في سلوك وتصرفات المشجعين في جميع أنحاء البلاد. لم يدع ريجيس، الذي توفي في شهر يناير/ كانون الثاني، عن عمر يناهز 59 عاماً، أبداً أن التعصب قد قُضي عليه، ولكن مع وجود العديد من النجوم ذوي الشخصيات المؤثرة مثله، اعتبرت الكراهية على أساس لون البشرة درباً من الشر المُخزي.
وفي الوقت الحاضر، يميل دعاة الكراهية الذين يسعون إلى تشويه رأي الأغلبية إلى التركيز على الدين. وهم يحتقرون المسلمين بشكلٍ خاص، ويبذلون قصارى جهدهم لربط 1.8 مليار شخص حول العالم بكل جريمة يمكن أن يفكروا بها، وعلى وجه الخصوص الجرائم المُتعلقة بالإرهاب.
وكانت هناك دعوات إلى اعتقال أو ترحيل أي شخص مرتبط بالإسلام كحل نهائي في حالة واحدة على الأقل، لكي لا يلعبوا دور الضحايا، تماماً كما كان يفعل اليهود خلال الهولوكوست. وفي حالة المسلمين الشباب، فإنهم يُصوَّرون تصويراً مشوهاً كما لو كانوا قتلة محتملين، على استعداد لحمل السلاح في سبيل المجموعات المتطرفة التي تفسد واحداً من ديانات التوحيد الثلاثة الكُبرى في العالم لتحقيق أهدافهم الخاصة.
في الواقع، يعتبر صلاح مسلماً نموذجياً بالإضافة إلى كونه مُجداً في العمل ومنفتحاً على المجتمع وملتزماً بالسلام في وطنه وخارجه، فإنه يصلي بإيمان مع زملائه في الفريق ساديو ماني وإمري تشان، عندما يحتفلون بإحراز هدف عن طريق السجود على الأرض.
ومن بين اللاعبين المسلمين في نادي مانشستر يونايتد، لاعب الوسط بول بوغبا، الذي انتقل من يوفينتوس إلى مانشستر يونايتد صيف عام 2016 بقيمة 90 مليون جنية إسترليني. ويعرف عنه، مثله مثل زملائه المسلمين، بأنه يتبرع بالكثير من راتبه الضخم للجمعيات الخيرية.
كما هو الحال مع لاعب كرة قدم الجزائري، رياض محرز الذي ساعد فريق ليستر سيتي على الفوز بالدوري في عام 2016 – وكذلك زميله القديم في الفريق، نغولو كانتي، الذي أصبح الآن بطل فريق تشيلسي. ويوجد في فريق آرسنال اللاعب مسعود أوزيل، وفي فريق مانشستر سيتي يوجد اللاعب يحيى تورية، ومامادو ساكو في فريق كريستال بالاس، وإسلام سليماني في فريق نيوكاسل يونايتد … والقائمة تطول.
لقد تحدثت إلى العديد من الشباب المسلمين في الملاعب الرئيسية في مدينة لندن، وليستر ومانشستر، الذين لا يراقبون أبطالهم من اللاعبين المسلمين المشهورين فحسب، بل يلعبون اللعبة بشكلٍ متزايد أيضاً. حتماً، سيبدأ لاعبو كرة القدم المسلمون البريطانيون في اقتحام المستوى الأرقى لكرة القدم في إنكلترا، والانضمام إلى جحافل اللاعبين الأجانب.
في المقابل، بدأ أولئك الذين ينظرون إلى المسلمين باعتبارهم منغلقين، ومحافظين بطريقة غريبة، في تغيير رأيهم.
وأصبحت تستخدم كلمة “رائع” بكثرة، ولكن الرياضيين المرموقين لهم بشكل لا جدال فيه تأثيرٌ عميقٌ على التصورات الجماهيرية. بدأ البريطانيون في إسقاط الصور العنصرية النمطية بشكلٍ كامل في كل نواحي الحياة – بدءً من الإعلانات وصولاً إلى المسلسلات الكوميدية- من أواخر سبعينات القرن الماضي فصاعداً، ولذلك أصبح المسلمون يُصورون بشكلٍ أكثر إيجابية.
ومن المؤكد أنهم يُعتبرون من المروجين العصريين الذين يستطيعون إثارة الحماس والإلهام في مجال كرة القدم الذي تبلغ قيمة الاستثمار فيه إلى مليارات الجنيهات، مما يجعله صناعة مؤثرة بشكلٍ كبير.
يظهر بعضهم وهم يرتدون الأقراط، والوشم، وتسريحات الشعر المُبتكرة وجميع التجهيزات الخاصة الأخرى الموجهة لملايين من المعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنهم أيضاً ينشرون صوراً لأنفسهم وهم يقرأون القرآن في حافلة الفريق، أو بينما يقومون بأداء فريضة الحج في مكة المكرمة.
بطبيعة الحال، تثير مثل هذه الأشياء غضب تحالف كرة القدم Football Lads Alliance، وهو منظمة كارهة للمسلمين تتخيل أن المشجعين لم يتحركوا منذ الأيام التي كان يُقذف فيها اللاعبين ذوات البشرة السمراء بالموز، والهتافات العنصرية من المدرجات.
وكثيراً ما تتكاتف جهود تلك المنظمة مع الجماعات المقيتة مثل رابطة الدفاع الإنكليزية English Defence League، التي نشأت في الأصل على غرار “المنظمات” التي تضم مشجعي كرة القدم الهوليجانز أو المشاغبين.
وعلى الرغم من ادعائهم الخاطئ بالولاء للقوات المسلحة البريطانية، فإن أعضائها يواجهون إدانات جنائية ويسجنون بسبب ارتكاب جرائم مختلفة، يرتبط العديد منها بالعنف الشديد. وفي الوقت نفسه، ينشر جميعهم الأسطورة القائلة بأن ديناً واحداً فقط يُمكن أن يفضي إلى مُتطرفين مُعادين للمجتمع. ويتجاهلون تماماً عمليات القتل الإرهابية التي يقوم بها رجال متطرفون من ذوات البشرة البيضاء مثلهم تماماً، ويفضلون نشر مفاهيم الإدانة الجماعية ضد المسلمين في كل فرصة.
يُمثل هذا السلوك دعوة إلى الانقسام، كما أنه أمرٌ خطير، ولكن الآن تتزايد الاحتجاجات ضد هؤلاء العنصريين، ولا سيما من قِبل بعض أكثر مشجعي كرة القدم المُتحررين في العالم.
هاف بوست