“قصر ذوي الاحتياجات الخاصة” باسطنبول، أكبر صرح يعنى بالمعاقين في تركيا، وبوابتهم للإنطلاق في المجتمع، يعمل مع مختلف الجهات على تحقيق مشاركتهم الكاملة وعلى قدم المساواة في فضاء لا يميزهم عن الآخرين.
وفي مساحة تبلغ 16500متر مربع، يأخذ القصر في بلدية منطقة “باغجلار”، مكانا له ليقدم التعليم والرعاية حاليا لنحو 1200 من من ذوي الإعاقة الجسدية والذهنية، وفق القائمين عليه.
الصرح الإنساني افتتح عام 2011، وبني على الطراز المعماري السلجوقي، ينظم دورات تعليمية ويوفر خدمات مجانية، تسهم في دمج ضيوفه بالمجتمع، وتوظيفهم في القطاعين العام والخاص، بحسب المسؤولين عنه.
وبحسب الأناضول، تنتشر في طوابق المبنى قاعات مخصصة للتعليم، منها ما يستهدف المهارات اليدوية، وأخرى تعتمد على درجة إدراك وذكاء ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتم توزيعهم بعد معرفة إمكانياتهم عبر مختصين نفسيين.
القصر يحتضن أيضا ورشا لتعليم نسج السجاد، وحياكة البُسُط، وصناعة الألعاب الخشبية، والحفر على الصابون المعطر، إلى جانب قاعات للموسيقا والسينما والأنشطة الثقافية.
كما يضم صالات للتأهيل الفيزيائي، ومسبحا، وقاعات للترفيه الاجتماعي، فضلا عن مكتبة ناطقة لمن لا يستطيعون القراءة.
ألوان وأشكال جميلة، يعكف المعاقون على صنعها أثناء الدوام الممتد من الصباح حتى المساء، ولكي لا يضيع جهدهم هباء، فإن منتجاتهم الحرفية، تعرض في قسم خاص للبيع، على أن يعود ريعها لهم.
الشاب التركي أوموت ياواش، يعاني من إعاقة ذهنية، وهو أحد الطلاب في ورشة الأعمال الخشبية، قال للأناضول: “نصنع سفنا (ألعاب خشبية) وحمّالات مفاتيح، وأعشاشا الطيور، وقطارات وسيارات (ألعاب خشبية)، وهذا ما يجعل الجو هنا ممتعا جدا”.
أما اسكندر باجاريك المصاب بـ”متلازمة داون” (تعرف أيضا بالمنغولية) والذي يشارك ياواش الورشة نفسها قال “كنت أجلس في البيت دون عمل، إلا أنني التحقت بالمركز منذ 3 سنوات وأنا سعيد لنشاطي مع زملائي”.
وفي نفس القاعة لم يخف زاويد دوراك الذي يعاني من نفس إعاقة باجاريك فرحته لرؤية كاميرا الأناضول، فطلب أن يعبر عن ما يريد قوله عن طريق الغناء.
مدرس حرفة الألعاب الخشبية مراد دمير، أوضح أنه “يعمل مع الطلاب في صنع الألعاب، وبالتعاون مع البلدية يطلب منهم عمل بيوت للقطط والعصافير ليتم لاحقا طلاؤها في قاعات أخرى”.
وفي حديثه للأناضول، اعتبر أن ذوي الاحتياجات الخاصة “يطورون مهاراتهم اليدوية بشكل كبير، ويتم التركز على تأهيلهم وتنشيط أذهانهم عوضا عن بقائهم في المنزل”.
ولفت دمير إلى أنهم يمارسون “نشاطات متنوعة في المركز، من سينما ورياضة وفعاليات عديد”، ويواظبون على “التواصل مع ذوي الإعاقة وفق برامج أعدت من قبل مختصين”.
الطفل السوري عبد السلام الأحمر (متلازمة داون) يداوم في ورشة الخشب، ويحاول دمير التواصل معه بكلمات عربية مثل (ماء، خبز، أمي).
مدير الشؤون الاجتماعية في المركز حمزة دوغان، وهو بطل تركي سابق في رماية الكرة الحديدية لذوي الإعاقة، شرح للأناضول عن المبنى قائلا “هذا القصر تبلغ مساحته 16500 مترا مربعا وبني من قبل بلدية باغجلار، ويضم 75 موظفا من بينهم 30 مدرسا”.
ولفت إلى أن “كل فترة تعليمية جديدة تستوعب 500 طالب (تستمر نحو 3 أشهر وبعض الطلاب أو المتدربين يتخرجون وبعضهم يظل لدورات أخرى)، وهناك مواصلات مجانية، منها حافلتين فيهما مصاعد، فيما بني البناء على الطراز المعماري السلجوقي بشكل خاص به، وهو من المراكز التخصصية المتفوقة على مستوى أوروبا والعالم”.
وعن أقسام المركز أفاد بأنه يضم “صالات سباحة للعلاج الفيزيائي، وصالات للسينما والرياضة، وقاعات حرفية، ومراكز مؤتمرات، ومراكز ثقافية، ومكتبة، ويتم تعليم الرقصات الشعبية، وكذلك هناك تعليم متمم لهم، يمكنهم من الكلام”.
وكشف عن إفساح المركز المجال أمام ذوي الاحتياجات الخاصة من اللاجئين السوريين إضافة لتقديم الدعم النفسي لهم ولعائلاتهم.
وعن آليات قبول المعاقين وتوزيعهم، بين دوغان أنه “يخضع الراغبون بالانضمام للمركز إلى مقابلة أولية مع أخصائي نفسي، لمعرفة وضعهم وتوجيههم للقسم المناسب، وبعد ذلك يقوم المدرس في القسم بالتعامل معه، وكل من جاء للمركز تمكن من التواصل مع زملائه”.
وضرب مثلا عن “الطفل كريم (لم يحدد إعاقته)، الذي كان منغلقا على نفسه، ولا يتحدث مع الآخرين، ويتابع الإنترنت والتلفزيون في البيت وحسب، وبعدما جاء إلى المركز، استطاع التواصل مع رفاقه، وتواصلت والدته مع أمهات بقية الأطفال، ونشأت علاقات عائلية تطورت فيما بعد”.
وفيما يتعلق بتأهيل ذوي الإعاقة ودمجهم في الوظائف، قال دوغان “في المركز يصنف الوافدون إلى فئتين، الأولى وغالبيتهم من المعاقين ذهنيا تأتي لقضاء وقت مفيد، أما الثانية فهم الراغبون بالعمل، وهنا يأتي دور المركز من أجل تعليمهم الحاسوب، ومختلف المهارات، وبنهاية التعليم يمنحون شهادات تمكنهم من التوظيف، سواء في المركز أو في مواقع أخرى”.
وتابع القول “تمكنّا من توظيف المئات من ذوي الاحتياجات الخاصة (لم يحدد أماكن وظائفهم)، ونجح المركز في توظيف 61 معاقا في القطاع العام، بعد خضوعهم لامتحان خاص بتلك الفئة”.
وفي ورشة نسج السجاد وحياكة البُسُط، يتوزع المعاقون كل على آلته، ليحيك ما يتعلمه من المدرسة خديجة كوركوت، التي تتابع مهاراتهم.
وقالت كوركوت للأناضول إنهم في الورشة “يعملون على نسج السجادات، وحياكة البساط على عدة أجهزة، بعضها لا يشمل التحكم عبر الأرجل من أجل المعاقين، كما أن النسج يعتمد على الألوان والعقدات، والنسج بعدة أساليب”.
وتابعت: “نستوعب من يمكنه التعرف على الأرقام والألوان، حيث إن النسج يطور مهارات الأيدي والأرجل، وبعد أن يصقل مهاراته في هذه الحرفة، نوجهه لمهارات أخرى”.
وأوضحت أن “المنتجات التي ينتجها المعاقون، يتم عرضها في صالة مخصصة للمبيعات، ويعود الريع إليهم”.
وتحتفل الأمم المتحدة في الثالث من ديسمبر/كانون الأول من كل عام بـ”اليوم العالمي لذوي الإعاقة”، وفي ديسمبر 2006 اعتمدت الجمعية العامة للمنظمة الدولية اتفاقية تضمن حقوقهم ودخلت حيز التنفيذ في مايو 2008.