أصحاب “الخرائط السرية” في مهمة جديدة.. تهديدان جديدان يحدقان بتركيا!

إنّ العلاقة التركية–الروسية ليست علاقة تبعية بأيّ شكل من الأشكال. فبلدنا ليس بحاجة أبدًا إلى علاقة تبعية تشبه تلك التي تربطها بـ”محور الناتو”. فما قرّب أنقرة وموسكو إلى بعضهما العض هي التهديدات المشتركة وطرق الدفاع المتشابهة وتلقي الدولتين تهديدات مباشرة من الغرب، لا سيما استغلال الولايات المتحدة وحلفائها لحساسية تركيا، خصوصا في سوريا، وتهديدهم لها بشكل مباشر. ولا شك أنّ تركيا وروسيا كانتا، ولا تزالان، بحاجة إلى هذه العلاقة والتقارب.

لقد أضاف البلدان شراكات ذات أولوية جيوسياسية وأمنية، إلى جانب شراكاتهما الاقتصادية، ما أسفر عن هذا التقارب. فالعلاقات بين أنقرة وموسكو أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق؛ إذ لم تتأثر حتى بالرغم من حادثة إسقاط الطائرة والمحاولات التي تروج لها الأوساط المهدّدة للدولتين. فما يعيشه الشرق الأوسط اليوم والعواصف الشديدة التي يشهدها عالم تحتم مواصلة هذا التقارب.

صراع الغرب مع روسيا وحساب عزل تركيا

تتعرض روسيا لتهديد مباشر من الغرب بالهجوم. ولا شك أنّ صراعًا وتصفية حسابات كهذه ستحدث إن عاجلا أو آجلا. وأزمة الجاسوس الأخيرة هي أولى إشارات ذلك. ستزيد هذه الإشارات بمرور الوقت، وربما تتحول هذه المواجهات المتبادلة سريعًا إلى اشتباكات على الأرض، وحينها يتشكل خط جبهة شرقي – غربي عام من البلطيق نحو أوروبا الشرقية وسواحل الهادئ.

تتعرض تركيا كذلك لتهديد غربي صريح. فهجوم 15 يوليو/تموز كان أكثر هجمات الغرب صراحة، وكان يهدف لتقسيم تركيا؛ إذ نفذوا مخطط فتح جبهات من خلال تنظيمي غولن وبي كا كا الإرهابيين للضرب من الداخل من أجل “تقزيم” تركيا.

إن مخطط “الحصار” الذي يُنفذ اليوم في شمال سوريا هو مخطط أمريكي بالتعاون مع الناتو، وهو لا يزال مستمرًا على الشاكلة ذاتها. فالحشد العسكري الذي يتمّ في هذا الحزام ليس له علاقة بسوريا أو إيران، بل هو موجه مباشرة لإغلاق أبواب تركيا الجنوبية وقطع علاقتها بالمنطقة وعزلها وحبسها داخل الأناضول ثم تركيعها.

إفشال مخطط القرن

لا تزال هذه التهديدات مستمرة بالرغم من تنفيذ تركيا عملية غصن الزيتون. فأنقرة رأت التهديدات، وبادرت إلى حملة دفاع مدهشة مباشرة عقب 15 يوليو/تموز، كما سارعت إلى إفشال هذا المخطط الذي سيترك بصمته على القرن الحادي والعشرين، وذلك من خلال الحملات التي بدأتها في عفرين ويجب أن تتابعها في المستقبل. ولهذا فإنّ تصفية الحسابات هذه ستستمر لفترة أطول في هذا الاتجاه.

ذلك أنّ القضة ليست متعلقة فقط بـ”خريطة تركيا”، بل إنها متعلقة برسم ملامح جديدة للمنطقة. بل والأبعد من ذلك هو أنها متعلقة بالتحركات التي يشهدها مركز الثقل العالمي في وقت يعاد فيه تشكيل خريطة القوى الدولية. أي أن التدخلات مثل هجوم 15 يوليو/تموز والتطويق من ناحية الجنوب، وكذلك دفاع تركيا عن نفسها ضد هذه التدخلات، إنما هي أحداث ذات نطاق إقليمي ودولي.

“منفذو العمليات الداخلية”

ثمة مؤيدون كثر “في الداخل” لخطة التطويق والحصار من الجنوب، كما كان هناك داعمون كذلك لهجوم 15 يوليو/تموز. فكل من ينزعج من عملية عفرين والذين يحاولون التعاون مع الولايات المتحدة بعد سقوط منظمة غولن، أو أولئك الذين يتعاونون بالفعل معها، ومن يحاولون تضليل عقول الداعمين لمسيرة تركيا التاريخية ويخططون لتنفيذ تشتيت سياسي، ومن يبذلون ما بوسعهم لوقف العمليات عقب عملية عفرين، ومن يضللون العقول بمخططات وعروض جديدة، ومن يريدون تدمير القفزة التاريخية الكبرى التي تحققها تركيا من الداخل؛ كلهم جميعا جزء من حسابات 15 يوليو/تموز ومخططات الحصار من الجنوب التي تجري من خلال بي كا كا/ب ي د.

هدفان رئيسان لأصحاب “الخرائط”

سنرى من الآن فصاعدًا الأدوار التي ستلعبها تلك الأوساط في إطار الحسابات الدولية الجديدة. فأصحاب “الخرائط” هؤلاء لديهم هدفان رئيسان: النيل من التقارب التركي-الروسي في الخارج، وإفشال الاتفاق بين حزبَي “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، على ملف انتخابات رئيس الجمهورية في الداخل. وكلا الهدفين هما في الوقت ذاته مخططات من هم “بالخارج” لاستهداف تركيا. فالذين بالداخل يعملون على هذا النحو تلبية لرغبة من هم بالخارج. وسنرى حتى انتخابات العام المقبل تدخلات ومحاولات تخريبية خطيرة في هذا الإطار في الداخل والخارج، فنحن نرى من الآن تحركات تدريجية في هذا الاتجاه.

يسعى الهدفان لإجبار تركيا على الاستسلام للمخططات الأمريكية من أجل “عزلها” و”تركها دون دفاع” وإعادة تنفيذ مخططات 15 يوليو/تموز والتطويق من الجنوب. ولا شك أنّ تلك المخططات تُدار من المراكز المعلومة للجميع، فهي تطبق أجندة تهدف إلى منع تزايد قوة تركيا داخليًّا عن طريق تأميم قدراتها وخارجيا في محيطها، وكذلك تحويل الرياح إلى عكس اتجاهها، وتدمير ذلك العقل السياسي الوطني، وتضليل الرأي العام القوي الذي يدعم ذلك العقل، ونبذ الداعمين لهذه المسيرة خارج نطاق التاريخ السياسي.

هدفنا هو تشكيل “محور تركيا”

وأما على المستوى الخارجي فهم يتبعون أجندة تهدف لوأد الطفرة التاريخية التركية الكبرى في مهدها ونبذها خارج نطاق التاريخ وتجريدها من قدراتها والسيطرة عليها وإضعافها. وهذا هو الكفاح الكبير، وهناك يكن حساب ومقاومة القرن.

لا تحمل تركيا أجندة أوراسيوية. كما أنه ليس هناك ما يسمى “محور روسيا”، فليست بحاجة لذلك. فمحور تركيا قد تزحزح من مكانه لتعثر على محورها الخاص. وإذا نظرنا من هذا الاتجاه، سنرى أن محور العالم بأسره قد تزحزح، ذلك أن الشعوب والحكومات صاحبة الدور التاريخي عادت من جديد إلى تاريخها وطموحاتها، وهو ما ينطبق على تركيا كذلك.

إن قضيتنا هي تشكيل “محور تركيا” في منطقتنا وفي ظل مناخنا التاريخي. ولن يكون من الآن فصاعدا هناك أي علاقات تبعية في هذا الإطار، بل سترسم تركيا خارطة طريقها بنفسها مثل أي دولة قوية وستحدد علاقاتها المستقلة وترجيحاتها، لكنها – في الوقت نفسه – لن تسقط في مصيدة “تدخل دولي” جديدة أبدا.

لو لم نكن قد تقربنا إلى روسيا لما كانت قد سنحت لنا فرصة التحرك بهذه الطريقة في سوريا. وأما حليفنا الشهير الولايات المتحدة فكانت في تلك الأثناء تنقل الأسلحة التي تكفي لآلاف المقاتلين إلى عفرين وتبني مستودعات الذخيرة العملاقة وتستعدّ لقتال تركيا.

لا يروّجْ أحدٌ لمخطّطي 15 يوليو/تموز!

لا ينبغي لأحد اليوم الترويج للولايات المتحدة والتحالف معها في تركيا، ولا يجب على أحد أن يصور لنا “مخططي” هجوم 15 يوليو/تموز وكأنهم “مخلّصين” وحلفاء لنا، ولا يحاولْ أحد تنفيذ عمليات داخل الدولة والنظام والمجتمع من أجل سيناريوهات جديدة بالتعاون سرا مع الولايات المتحدة، ولا ليسعى أحد للحصول على دعم من بعض دول المنطقة التي أوكلت واشنطن إليها المهام في سبيل الترويج لمخطط “المعارضة المحافظة” وكأنها معارضة بريئة.

إنّ انتخابات 2019 ليست انتخابات عادية بالنسبة لتركيا، فهي ربما تعتبر ترجيحًا سيرسم ملامح القرن الحادي والعشرين. لا تنظروا إلى تركيا فقط، بل تابعوا العالم بأسره، ولاحظوا جيدا ماذا تستعد له الدول وكيف تتجهز للعاصفة العالمية الجديدة. فلا يمكن السماح للبعض بهز الأرضية الاجتماعية داخل تركيا في وقت تعزز فيه جميع الدول أنظمتها الدفاعية، من روسيا إلى الولايات المتحدة، ومن دول الاتحاد الأوروبي إلى قوى المحيط الهادئ، وفي ظل أن كل دولة تسعى لتدعيم التضامن الاجتماعي داخلها.

أن تكون “تركيًّا”، أزمة طائرة جديدة، أصحاب الخرائط السرية..

ذلك أن القضية ليست متعلقة بهذه الانتخابات فقط، بل هي مرتبطة بشكل مباشر بمستقبل تركيا وكيانها وأين وكيف ستكون في عالم المستقبل. فبغض النظر عن اختلاف ميولنا السياسية وهويتنا العرقية وتياراتنا الفكرية؛ يقع على عاتقنا جميعا مسؤولية أن نكون “مواطني تركيا” أبناء هذا البلد، وهذا ضرورة كما كان كذلك أيام حرب الاستقلال.

لقد صارت جميع دول العالم منعزلة، ولم يعد هناك صداقات وعداوات، وانتهت صلاحية التحالفات. فإذا كان الأمر كذلك؛ علينا أن نكون حذرين في مواجهة تلك العمليات الخبيثة “الدولية” الرامية لإضعافنا داخليًّا وعزلنا إقليميًّا وتحويلنا إلى غنيمة بأيدي الأوساط الأطلسية.

لا بد أنّ نحذر خصوصًا في مواجهة أصحاب “الخرائط السرية”.. وبطبيعة الحال في مواجهة محاولات النيل من علاقتنا مع روسيا عن طريق ابتداع “أزمة طائرة” جديدة..

لنحذر من الترويج لسيناريوهات ومخططات جديدة تهدف لنزع فتيل الحرب بين تركيا وإيران وإجبار أنقرة على القتال على جبهة روسيا.

وعلينا ألا ننسى أننا لن نكافح إلا من أجل محور تركيا.

ابراهيم كراجول – يني شفق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.