حين ألقت كوريا الشمالية، يوم أمس الأربعاء 16 مايو/أيَّار، بظلالٍ من الشك فجأةً على اجتماع قمةٍ تاريخي مع الولايات المتحدة، استشهدت خمس مراتٍ بمصير بلدٍ آخر وزعيم آخر في النصف الآخر من العالم مثالاً على سبب ضرورة عدم الوثوق بالجهود الأميركية في نزع سلاح بلدٍ آخر.
وقال نائب وزير الخارجية كيم كي غوان، في بيانٍ نقلته وكالة الأنباء الرسمية الكورية الشمالية، إنه “إذا ما حاولت الولايات المتحدة التضييق علينا وإرغامنا على التخلي عن السلاح النووي من جانب واحد، فلن نبدي اهتماماً بالمحادثات”.
كذلك هاجم نائب الوزير بشدة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، الذي تحدَّث عن “النموذج الليبي” لنزع السلاح النووي في الشمال.
البلد الذي استشهدت به كوريا الشمالية هو ليبيا، والزعيم المذكور هو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، الذي راهن رهاناً خاسراً على قدرته على تحقيق تكامل اقتصادي مع الغرب مقابل الاستغناء عن برنامجه النووي الوليد. وصحيحٌ أنَّ هذه الصفقة -التي أبرمتها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن قبل نحو 15 عاماً- مجرَّد نقطةٍ هامشية في التاريخ الأميركي في تلك الحقبة، لكنَّها لطالما بَدَت كبيرةً للكوريين الشماليين، كما ورد في تقرير لصحيفة The New York Timesالأميركية.
النموذج الليبي صار مشكلةً فجأة أمام الاجتماع المرتقب، في 12 يونيو/حزيران، بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، فيما يبدو وكأنه فرصةً لإنهاء عقودٍ من العداء بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة.
المشروع النووي الليبي كان رداً على الحصار الغربي بعد “لوكيربي”
بدأت فكرة التسلح النووي الليبي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن في الإطار السلمي، وفي عام 1995 بدأت ليبيا تستعد لتطوير المشروع النووي الليبي لأغراض غير سلمية.
أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الليبية المصرية السابق يقول، إن المشروع النووي الليبي بدأ بعد حادث لوكيربي.
في عام 2003، شهد العقيد القذافي الغزو الأميركي للعراق، وإطاحة نظيره العراقي الراحل صدام حسين، وربما يكون قد استنتج أنَّ الدور عليه. لذا وافق طوعاً في سلسلة مفاوضاتٍ سرية مطولة مع بريطانيا والولايات المتحدة على تسليم المعدات التي اشتراها من عبدالقادر خان، عرَّاب البرنامج النووي الباكستاني، وفقاً لموقع BBC العربي.
جديرٌ بالذكر أنَّ كوريا الشمالية وإيران كانتا زبونتين كذلك لدى خان، الذي وُضِع لاحقاً قيد الإقامة الجبرية بعد الكشف عن أنشطته.
ثم نُقِلَت المواد والمعدات الليبية آنذاك إلى خارج البلاد، ووُضِع معظمها في مختبر أسلحة أميركي بمدينة أوك ريدج في ولاية تينيسي. وحين أعلن الرئيس جورج بوش الابن الصفقة، أشار بوضوح إلى كوريا الشمالية وإيران، حين قال: “آمل أن يقتدي الزعماء الآخرون” بتصرُّف ليبيا.
وبعد نزع السلاح النووي الليبي تدخل الغرب لمساندة المعارضين
وقد يكون ما حدث لاحقاً بعد أقل من عشر سنوات هو أساس مخاوف كيم جونغ أون على ما يبدو؛ إذ بدأت الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين تحركاً عسكرياً ضد ليبيا في عام 2011، لمنع مذبحةٍ هدَّد القذافي آنذاك بارتكابها ضد المدنيين. واقتنع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بحجج هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، للانضمام إلى التحرُّك الذي تقوده أوروبا.
دعم التدخُّل في ليبيا معارضي الحكومة، على نحو جعل القذافي طريداً، حتى سحبوه من أحد الخنادق بعدها بعدة أشهرٍ وقتلوه. ومنذ ذلك الحين، تدهورت حال ليبيا وصارت دولةً مُعتَلَّة. وانتبهت كوريا الشمالية لذلك.
وهكذا تقرأ كوريا الشمالية وقائع النموذج الليبي
يبدو أنَّ خوف كوريا الشمالية من ملاقاة مصير ليبيا نفسه -أو ربما بالأحرى خوف زعيمها من ملاقاة مصير القذافي- ظلَّ عاملاً في تفكير كوريا الشمالية بشأن برنامجها الخاص بالأسلحة على مرِّ سنوات.
ففي عام 2011، بعدما شنَّت الولايات المتحدة وحلفاؤها غاراتٍ جوية على ليبيا، قال وزير الخارجية الكوري الشمالي إنَّ نزع الأسلحة النووية من ليبيا كان “تكتيك غزوٍ بنزع سلاح البلاد”. وبعد مقتل القذافي قال مسؤولون كوريون شماليون، إنَّه لولا تخلِّي القذافي عن برنامجه النووي، لربما ظل حيَّاً إلى الآن.
وتتعهد بأنها لن تلقى مصير ليبيا أو العراق
وفي عام 2016، بعد وقتٍ قصير من إجراء كوريا الشمالية تجربةً نووية، أشارت وكالة الأنباء المركزية الكورية الحكومية، التابعة لها، إلى ليبيا والعراق مباشرة. وقالت الوكالة آنذاك: “يثبت التاريخ أن الردع النووي القوي هو أقوى سيفٍ مكنوز لإحباط العدوان الخارجي”.
وأضافت: “لم يستطع نظام صدام حسين في العراق ولا القذافي في ليبيا الهروب من مصير الدمار، بعدما حُرِما من أسس تطوير أسلحة نووية لديهما، وتخلَّيا عن برنامجيهما النووين بمحض إرادتهما”.
لكنَّ “دولة كوريا الشمالية العظيمة لا يمكن أن تَلقى مصير ليبيا أو العراق اللتين انهارتا بسبب خضوعهما التام لقوى كبرى. العالم يعرف جيداً أنَّ دولتنا ليست ليبيا ولا العراق اللتين لاقتا مصيرين بائسين. وأشارت كوريا الشمالية بوضوحٍ إلى تحقيقها إنجازاً محلياً لم يقترب منه القذافي قط: ألا وهو أنَّها صارت دولةً مُسلَّحة نووياً بالفعل”.
لكن ليبيا لم تكن تمتلك مشروعاً نووياً حقيقياً
فعلى عكس كوريا الشمالية، لم تكن ليبيا في الواقع تمتلك أسلحةً نووية، بل مجرَّد أجهزة طرد مركزي يمكن استخدامها لإنتاج اليورانيوم عالي التخصيب الذي يُستخدم وقوداً للقنابل النووية، وفقاً لما اكتشفه الأميركيون في أثناء عمليات التفتيش بليبيا في عام 2003.
وأضاف البيان الكوري الشمالي أنه “من السخف تماماً أن يجرؤ أحدٌ على المقارنة بين كوريا الشمالية، الدولة النووية، وليبيا التي كانت في المراحل الأولية من صناعة أسلحة نووية”.
رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق الدكتور محمد البرادعي يتحدث عن حقيقة المشروع النووي الليبي
جديرٌ بالذكر أنَّ كوريا الشمالية اختبرت ستة أسلحة نووية، وتعتقد وكالات الاستخبارات الأميركية أنَّ كوريا الشمالية تمتلك أسلحةً نووية أخرى، تتراوح بين 20 و60 سلاحاً، بالإضافة إلى صواريخ باليستية عابرة للقارات، قادرة على ضرب الولايات المتحدة.
وهذا ما يقوله البيت الأبيض عن النموذج الليبي
في أول لقاءين تلفزيونين أجراهما بولتون، بعدما صار مستشار الأمن القومي في الشهر الماضي، أبريل/نيسان، قال لبرنامج Face the Nation الذي يُعرَض على شبكة CBS الأميركية، وبرنامج Fox News Sunday إنَّ تصوره بالنسبة للمحادثات مع كوريا الشمالية يتمثل في نموذج نزع الأسلحة النووية في ليبيا. ثم قال في برنامج Fox News Sunday: “نميل جداً إلى النموذج الليبي الذي طبقناه في عامي 2003 و2004. ثمة اختلافاتٌ واضحة؛ فالبرنامج الليبي كان أصغر بكثير، لكنَّ ذلك كان هو الاتفاق الذي أبرمناه في الأساس”.
ولكن حين سأل أحد المراسلين الصحفيين سارة هاكابي ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض عن النموذج الليبي تحديداً، قالت: لا يوجد نموذجٌ ثابت لكيفية سريان الاتفاقات”.
ولكن حين سأل أحد المراسلين الصحفيين سارة هاكابي ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض عن النموذج الليبي تحديداً، قالت: لا يوجد نموذجٌ ثابت لكيفية سريان الاتفاقات”.
.
م.عربي بوست