على الرغم من إعلان الإمارات قدرتها على حسم معركة الحديدة بشكل كامل في وقت قصير، من خلال السيطرة على المطار وميناء الحديدة الهام على البحر الأحمر، فإن أبوظبي أوقفت العملية بشكل مفاجئ ما أثار تساؤلاً عن الأسباب.
وفي حين قال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في تغريدة نشرها أمس الأحد: «أوقفنا حملتنا مؤقتاً لإتاحة الوقت الكافي لاستكشاف هذا الخيار بشكل كامل».
اعتبرت صحيفة The New York Times الأميركية أن وقف العمليات يرجع إلى سببين جوهريين وهما: وجود ألغام بالقرب من ميناء الحديدة، وفي الوقت نفسه عجزها عن خوض غمار حرب المدن في البلد الذي مزقه الحرب.
وهو ما ينفي معه ما قالته الإمارات من أن انسحابها من أجل إنقاذ مدينة الحديدة من كارثةٍ إنسانية محتملة بسبب الأوضاع هناك.
وفيما كان المسؤولون الإماراتيون واثقين من تحقيق انتصارٍ سريع، إلا أن التحديات التي تفرضها حرب المدن أوقفت هذا الهجوم، إذ علقت الإمارات القتال في المدينة مؤقتاً من أجل إفساح المجال أمام جهود مبعوث الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، لتسهيل عملية تسليم ميناء الحديدة «دون شروط».
وسط موجة من النشاط الدبلوماسي الذي يهدف إلى وقف حرب العصابات الأهلية في هذا البلد العربي الفقير، وذلك وفق ما أوردته الصحيفة الأميركية على لسان دبلوماسيين إماراتيين ودوليين أمس الأحد الأول من يوليو/تموز.
وأدت معركة السيطرة على الحُديدة إلى غضبٍ دبلوماسي دولي كبير على خلفية القلق على سلامة سكان المدينة البالغ عددهم 600 ألف نسمة، والتهديد الذي قد ينتجه القتال من تعطيل خطوط الإمداد لتوصيل المساعدات الإنسانية العاجلة إلى ثمانية ملايين آخرين في اليمن.
وأعلنت الأمم المتحدة اليمن أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وتُمثل المساعدات التي تصل إلى ميناء الحُديدة على البحر الأحمر نحو 70% من الواردات في بلدٍ يعتمد ثلثا سكانه البالغ عددهم 29 مليون نسمة على المساعدات الدولية.
وقال مسؤول إماراتي رفيع المستوى إنَّ وقف العمل العسكري كان يهدف إلى إعطاء مفاوضات الأمم المتحدة فرصة للنجاح.
تحول المعركة إلى حرب بالوكالة وقالت الصحيفة إن المعركة تحولت من أجل السيطرة على اليمن على مدى السنوات الست الماضية إلى حرب إقليمية بالوكالة. فمن جهة، تدعم المملكة العربية السعودية والإمارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتسيطر الأعداد الضخمة من قواتهم الوكيلة على مساحات شاسعة من جنوب اليمن.
ومن جهة أخرى، يواجه هؤلاء معارضةً من المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مدينة الحُديدة والعاصمة اليمنية، صنعاء، ومدعومين من إيران. وتُدرِّب تلك القوى الخارجية وكلاءها وتُجهِّزهم، وفي حالة التحالف العربي، تنخرط أيضاً بنشاط في القتال. ووصلت القوى المتصارعة في ساحة المعركة إلى طريق مسدود. وحتى وقت قريب، كان كلٌ من التحالف العربي والقيادة الحوثية لا يباليان بعملية السلام ورفضا العودة إلى المحادثات التي توسطَّت فيها الأمم المتحدة، والتي كانت تحتضر على مدى عامين، بحسب الصحيفة الأميركية.
ضغوط دولية تحاول إنقاذ المواطنين
وقالت الصحيفة الأميركية إن الضغوط الدبلوماسية على عملية الهجوم، بما في ذلك من مسؤولين أميركيين، بثَّت الحياة من جديد في وقفٍ محتمل لإطلاق النار وإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام، وذلك وفقاً لدبلوماسيين اثنين على اطلاع بالعملية. ولم يكن المسؤولان مُخوَّلين بالتحدث إلى وسائل الإعلام بسبب حساسية المحادثات الجارية بين مسؤولي الأمم المتحدة، والقيادة الحوثية، والحكومتين الإماراتية والسعودية، والرئيس اليمني المدعوم خليجياً.
ووفقاً للدبلوماسين، التقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الأسبوع الماضي مع قيادات حوثية وعبدربه منصور هادي، في حين أطلع مسؤولون أمميون كبار آخرون المسؤولين السعوديين والإماراتيين على محادثات وقف إطلاق نارٍ محتملة.
ويعمل مسؤولو الأمم المتحدة أيضاً على تعزيز اتفاقٍ من شأنه أن ينقل إدارة ميناء الحُديدة إلى الهيئة الدولية.
في بداية معركة مدينة الحُديدة، قال المسؤولون الإماراتيون إنَّ لديهم هدفين رئيسيين: السيطرة على ميناء الحُديدة والمطار. كان الأمل هو أن يكون النصر كبيراً بما يكفي لإجبار الحوثيين على التماس السلام ومنح الفصائل اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات دوراً أقوى في المفاوضات السياسية المستقبلية.
لماذا أوقفت الإمارات العملية العسكرية في الحديدة بشكل مفاجئ؟
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن القوات المدعومة من الإمارات استطاعت السيطرة على المطار لكنها لم تشن هجومها البحري على الميناء بسبب ما يقول المسؤولون الإماراتيون إنَّه وجود كثيف للألغام في المياه.
ورفض المسؤولون الأميركيون الشهر الماضي طلباً إماراتياً للمساعدة في إزالة الألغام من المياه المحيطة بالمدينة. وسببٌ آخر لتباطؤ الهجوم هو أنَّ المسؤولين الإماراتيين قالوا إنَّهم لا يريدون الدخول في حرب مدن؛ لأنهم ووكلاءهم المحليين غير مُجهَّزين للتعامل مع حرب شوارع. كانت الخسائر على كلا الجانبين حتى الآن أقل بكثير مما كان يخشاه الكثيرون في معركة الاستيلاء على مدينة الحُديدة، وأدى توقف القتال لفترة قصيرة إلى رفع الآمال بشأن إمكانية إنهاء القتال حول الحُديدة دون وقوع أعداد كبيرة من القتلى. ومع ذلك، حذَّر بعض دبلوماسيي الشرق الأوسط من احتمال عودة اندلاع القتال في أي وقت، خاصةً أن المسؤولين الإماراتيين قالوا إنهم لا يملكون سيطرة تامة على مقاتليهم اليمنيين بالوكالة.
وفي نفس الوقت الذي أعلنت فيه الإمارات توقف القتال، يواجه الإماراتيون جدلاً متصاعداً بشأن تقارير نشرتها وكالة The Associated Press الأميركية تفيد بأنَّ دولة الإمارات تُشرِف على مراكز اعتقال في اليمن يتعرَّض السجناء فيها للتعذيب.
وعلى الجانب الحوثي، ينتشر الانتقاد بين اليمنيين بسبب حجم معاناة المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها.
ومن المقرر أن يلتقي غريفيث بالحوثيين مرة أخرى اليوم الإثنين 2 يوليو/تمّوز في العاصمة اليمنية، وربما يلتقى هادي في مدينة عدن الجنوبية. ويقول الدبلوماسيان إنَّ غريفيث يأمل بتحديد موعد جلسة لإحاطة مجلس الأمن بالوضع بحلول نهاية الأسبوع من أجل التنسيق لوقف إطلاق نار محتمل وجولة جديدة من محادثات السلام.
يُذكر أن مدينة الحديدة تشهد معارك تخوضها القوات الحكومة الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، بدعم من قوات التحالف، للسيطرة على
الميناء، المنفذ الرئيسي لواردات شمال البلاد من المواد الغذائية والسلع والأدوية؛ وتسببت العمليات العسكرية في تعطل سبل العيش وتوقف النشاط التجاري وأعمال المزارعين، كما أدت إلى موجة نزوح واسعة من المحافظة.
وتقود السعودية تحالفاً عسكرياً منذ 26 آذار/مارس 2015 دعماً للشرعية ممثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي لاستعادة حكم البلاد من جماعة «أنصار الله». وتمر الأزمة اليمنية بمرحلة معقدة، حيث لم تنتج المساعي الدبلوماسية للتقرب إلى حل الصراع القائم، وقد جرت عدة محاولة في عدة منصات لتجميع الأطراف المتصارعة على طاولة الحوار منها في جنيف وفي الكويت، غير أن جميعها باءت بالفشل.
عربي بوست