أفاد المصور التركي الموظف في قناة “سي إن إن التركية/ CNN Türk”، أحمد أق بولاط، بأنه لو سُئل سابقا عما إذا طلب الجنود الانقلابيون منه تسليم كاميرته، لربما سلمها على الفور دور تردد، إلا أنه عندما واجههم بالواقع خلال محاولة الانقلاب، عرّض حياته للخطر ورفض ذلك رغم تلقيه تهديدا بالقتل.
وقال أق بولاط ، بأنه عندما عايش المحاولة الانقلابية اختلفت الأمور عليه كثيرا، وأخذ ينظر إلى كاميرته بعين مغايرة، بحكم دوافع عديدة أهمها ولاؤه لأخلاقيات المهنة، وحب الوطن.
وأكّد بأنه أظهر مقاومة كبيرة للجنود الانقلابيين الذين داهموا مقر قناة “سي إن إن التركية” خلال الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب الفاشلة ليلة 15 يوليو/ تموز عام 2016.
وكرّمت جمعية المصورين الأخباريين التركية، أق بولاط، بجائزة “شرف المهنة”، العام الماضي.
وفيما يخص الأحداث التي شهدها أق بولاط، خلال المحاولة الفاشلة، أوضح بأنه كان يجهز منزله الجديد استعدادا لزواجه بعد شهر من تاريخ 15 يوليو، حيث تلقى اتصالا من صديقه مساء، ومن ثم حاول فهم ما يجري بالبلاد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن تلقى رسالة من عمله، تطالبه بالحضور فورا إلى القناة.
وأردف “سلكت على الفور طريق القناة، إلا أن بعض الطرقات كانت مغلقة، فاتخذت طريقا بديلا باتجاه معاكس، حيث رأيت 3 دبابات مسرعة نحو المطار، فاتضحت الصورة لدي قليلا، وبدأت بالقلق إلى أن وصلت إلى مقر عملي ورأيت هناك الكثير من زملائي”.
وتابع “كان زملائي يبحثون في وسائل التواصل الاجتماعي حول حقيقة ما يجري في البلاد، وعلى الفور أخذت بتجهيز كاميرتي استعدادا لما سيحدث، وكان بعض زملائي قد زاروا بعض المناطق في إسطنبول، قبيل مجيئهم، لقد كان الوضع مضطربا جدا، ولقد شهدت في القناة أحداثا عديدة أبرزها اتصال الرئيس رجب طيب أردوغان بالقناة”.
وأشار إلى أنه “بينما كان زملائي يناقشون الأحداث، سمعت أحد الزملاء يصرخ يقول بأن طائرة مروحية تتقدم باتجاه مركز القناة”.
واستطرد “هرع الجميع على الفور نحو النوافذ، كانت المروحية العسكرية تبحث عن مهبط لنفسها حيث توجهت نحو مرآب السيارات، فأمسكت بآلة التصوير على الفور، وانطلقت بدوري نحو المرآب فورا”.
وقال “بينما كنت في طريقي شاهدت 7 جنود، فبدأت بالتصوير حالا، بعد ترك مسافة أمان بيني وبينهم، وصورت لحظة دخولهم للمبنى دون أن يلاحظوا وجودي، حينها قال زملائي لهم (هذه القناة خاصة، ماذا تفعلون هنا؟)”.
وأفاد أق بولاط “بدأ أحد الجنود يصرخ بصوت عالي ويقول (إنه انقلاب، لقد جئنا إلى هنا لأجل الأمن)، وكأنه يريد إخافتنا، فأخذت أصورهم من الخلف، لقد كانوا يبحثون عن غرفة البث، فأدركنا حينها بأنهم يسعون لقطع البث”.
وأردف “بعدها شاهدني نفس الجندي، وبدأ يركض نحو، فأخذت بالتراجع والهرب، في مثل لحظات حرجة كهذه، هناك شيئ نفعله على الدوام، ألا وهو إخفاء بطاقة الذاكرة، حيث كنت قد خبأت البطاقة التي خزنت اللقطات المهمة الأولى عليها في مكان آمن، وبدأت باستخدام بطاقة أخرى”.
وأضاف “ثم صعدت إلى الطابق الثاني بواسطة المصعد، وهناك هجم عسكري برتبة عالية نحوي، وأمسك بالكاميرا فورا، إلا أني لم أتركها، وبدأ كل منّا بجذبها نحوه، ثم جاء عسكري آخر برتبة عالية أيضا، وشكّل الجنود حلقة حولنا”.
واستطرد “ثم أخذ مدير البث العام في قناة دي، سليمان ساريلار، بالدفاع عني، طالبا منهم ترك الكاميرا، بعد ذلك بدأ أحد العساكر بتهديدي، حيث دعاني للحديث في زاوية مظلمة بالمبنى، فأحسست حينها بازدياد الخطر على حياتي”.
وأشار إلى أن أحد العساكر هدده بضربه بأخمص البندقية قائلا “أعطنا الكاميرا، وإلا سأضربك”، مضيفا “أجبته بدوري، اضرب وإلا لن تحصل عليها، وبعد تعالي أصواتنا، تجمع الكثيرون حولنا، إلى أن اقترح ساريلار أن نسلمهم بطاقة الذاكرة فقط بدلا من كامل الكاميرا، ورغم معارضتي للأمر بداية، إلا أني سلمتهم البطاقة لاحقا، لأني كنت قد وضعت جهاز تصوير صغير آخر في مقدمة الكاميرا، وكانت اللقطات محفوظة عليها”.
بعد ذلك، يوضح أق بولاط بأنه اتجه إلى قسم الاستديو، حيث كان الجنود منتشرين في كل مكان، ويقومون بإخراج الموظفين إلى الخارج، إذ طلب منه أحد الجنود بالخروج، إلا أنه قال لهم أنه لا يصوّر، حيث كان يمسك بالكاميرا للأسفل كالحقيبة، لكنها كانت قيد التسجيل، ولدى ملاحظة زملائه للوضع بدأوا بمساعدته وإفساح المجال أمامه لالتقاط المزيد من التسجيلات”.
وأضاف “ثم أخذت بالتظاهر بأني أتحدث بالهاتف، لكنني في الحقيقية كنت أصور إخراج العساكر لزملائي من غرفة الأخبار، ثم بدأنا بسماع أصوات من الخارج، كان الكثير من المواطنين قد جاءوا إلى القناة، عندها نزلت إلى الأسفل فورا، وبدأت بالتقاط صور المواطنين والشرطة”.
وتابع قائلا “منعت الشرطة المواطنين من الدخول حفاظا على حياتهم فبالنتيجة كان العساكر بالمبنى مسلحين، ثم دخل العناصر بأنفسهم، وبدأوا بتأمين عملية صعودهم للأعلى، وقمت بدوري بتصوير كافة تلك اللقطات”.
وأوضح أن الشرطة بدأت بعد ذلك باعتقال العساكر، ومن ثم أخرجت المواطنين للخارج، ليزول معها التوتر بالمبنى.
وأكد قائلا “لكن مهمتي الأساسية بدأت بعد ذلك، إذ كان علي بث تلك اللقطات، حيث توجهت إلى غرفة البث، لم يكن بها أحد، ثم استعنت بزميلي في بث اللقطات، وكان الجميع يتصل بي للإسراع في البث، وفي النهاية نجحت وقمت ببث اللقطات الأولى لاقتحام الانقلابيين للقناة”.
ولفت إلى أنه توجه فيما بعد إلى جسر مضيق البوسفور (شهداء 15 تموز حاليا)، حيث كانت الطرقات فارغة، وشاهد خلالها 3 دبابات وهي تحترق، إلى جانب الكثير من السيارات المحطمة، إلى أن وصل إلى الجسر، حيث التقط هناك لحظات اعتقال العساكر”.
وقال أق بولاط من جهة أخرى “لو تم إعداد سيناريو مسبق عما سيحدث، وسؤالي حول ما إذا كنت سأسلم الكاميرا، ربما كنت سأسلمها على الفور دون تردد، لكن عندما عايشت الموقف على الواقع، اختلف الوضع، من خلال ردات الفعل الطبيعية، والتفكير بأخلاقيات المهنة، ونظرتي إلى مهنة التصوير”.
وأوضح بأنه تلقى إشادات كثيرة من زملائه وأصدقائه، وخاصة أساتذته والمصورين القدامى، ما جعله يشعر بافتخار وامتنان كبير.
وأشار إلى أنه لو كانت نتيجة محاولة الانقلاب مختلفة، لربما كان التاريخ سيذكره بشكل مغاير، لكن بالنتيجة انتهت على خير بالنسبة له وللوطن على حد سواء.
الاناضول